﴿بل نقذف﴾ أي: نرمي ﴿بالحق﴾ أي: الإيمان ﴿على الباطل﴾ أي: الكفر إضراب عن اتخاذ اللهو وتنزيه لذاته عن اللعب بل شأننا أن نرمي بالحق الذي من جملة الجد على الباطل الذي من عداد اللهو ﴿فيدمغه﴾ أي: يذهبه، واستعار لدحض الباطل بالحق القذف والدمغ تصويراً لإبطاله به، وإهداره ومحقه، فجعله كأنه جرم صلب كالصخرة، ووجه استعارة القذف والدمغ لما ذكر أن أصل استعمالهما في الأجسام، ثم استعير القذف لدحض الباطل بالحق والدمغ لإذهاب الباطل، فالمستعار منه حسيّ، والمستعار له عقليّ ﴿فإذا هو﴾ في الحال ﴿زاهق﴾ أي: ذاهب، والزهوق ذهاب الروح، وذكره لترشيح المجاز من إطلاق القذف على دحض الباطل، ثم عطف على ما أفادته إذا قوله تعالى: ﴿ولكم﴾ أي: وإذا لكم أيها المبطلون ﴿الويل﴾ أي: العذاب الشديد ﴿مما تصفون﴾ الله تعالى به بما تهوى أنفسكم كالزوجة والولد
تنبيه: ما إمّا مصدرية أو موصولة أو موصوفة، ولما حكى الله تعالى كلام الطاعنين في النبوات، وأجاب عنها بأن أغراضهم من تلك المطاعن التمرد، وعدم الانقياد بيّن بقوله تعالى:
(٥/٣٤٥)
---
﴿وله من في السموات﴾ أي: الأجرام العالية، وهي ما تحت العرش، وجمع السماء هنا لاقتضاء تفخيم الملك ذلك، ولما كانت عقولهم لا تدرك تعدّد الأرض وحدها، فقال: ﴿والأرض﴾ أي: له ذلك خلقاً وملكاً أنه منزه عن طاعتهم؛ لأنه هو المالك لجميع المحدثات والمخلوقات، وعبر بمن تغليباً للعقلاء، وقوله تعالى: ﴿ومن عنده﴾ أي: وهم الملائكة بإجماع الأمة، ولأن الله تعالى وصفهم بأنهم يسبحون الليل والنهار لا يفترون، وهذا لا يليق بالبشر، مبتدأ خبره ﴿لا يستكبرون عن عبادته﴾ بنوع كبر طلباً ولا إيجاداً، وخصهم بالذكر لكرامتهم عليه تنزيلاً لهم منزلة المقرّبين عند الملك.