﴿كل نفس ذائقة الموت﴾ أي: ذائقة مرارة الموت، أي: مرارة مفارقة روحها جسدها، فلا يفرح أحد، ولا يحزن لموت أحد بل يشتغل بما يهمه، وإليه الإشارة بقوله: ﴿ونبلوكم﴾ أي: نعاملكم معاملة المبتلي المختبر ليظهر في عالم الشهادة الشاكر والصابر، والمؤمن والكافر كما هو عندنا في عالم الغيب بأن نخالطكم ﴿بالشر﴾، وهو المضارّ الدنيوية من الفقر والألم، وسائر الشدائد النازلة بالمكلفين ﴿والخير﴾ وهو نعم الدنيا من الصحة واللذة والسرور، والتمكن من المرادات، وقوله تعالى: ﴿فتنة﴾ مفعول له أي: لننظر أتصبرون وتشكرون أم لا كما يفتن الذهب إذا أريد تصفيته بالنار عما يخالطه من الغش، فبين تعالى أنّ العبد مع التكليف يتردد بين هاتين الحالتين لكي يشكر على المنح ويصبر على المحن، فيعظم ثوابه إذا قام بما يلزم ﴿وإلينا﴾ بعد الموت لا إلى غيرنا ﴿ترجعون﴾ فنجازيكم بما فعلتم، ثم عطف تعالى على قوله: ﴿وأسرّوا النجوى﴾ قوله تعالى:
﴿وإذا رآك﴾ أي: وأنت أشرف الخلق ﴿الذين كفروا إن﴾ أي: ما ﴿يتخذونك﴾ أي: حال الرؤية ﴿إلا هزواً﴾ أي: مهزواً به يقولون إنكاراً واستصغاراً ﴿أهذا الذي يذكر آلهتكم﴾ أي: بسوء، والذكر يكون بالخير والشر، فإذا دلت القرينة على أحدهما أطلق عليه وذكر العدوّ لا يكون إلا بسوء ﴿وهم﴾ أي: والحال أنهم ﴿بذكر الرحمن﴾ أي: إذا ذكر لهم الرحمن ﴿هم كافرون﴾ وذلك أنهم كانوا يقولون: لا نعرف الرحمن إلا مسيلمة، وهم الثانية للتأكيد، ونزل في استعجالهم العذاب
(٥/٣٥٨)
---