أجيب: بأن المراد منه أنا لا نكرمهم ولا نعظمهم ﴿فلا تظلم نفس شيئاً﴾ أي: من نقص حسنة أو زيادة سيئة ﴿وإن كان﴾ أي: العمل ﴿مثقال﴾ أي: وزن ﴿حبة من خردل﴾ أو أصغر منه وإنما مثل به لأنه غاية عندنا في القلة، وقرأ نافع برفع اللام على أنّ كان تامّة والباقون بالنصب وكذا في لقمان ﴿أتينابها﴾ أي: بوزنها ولما كان حساب الخلائق كلهم في كل ما صدرمنهم أمراً باهراً للعقل حقره عند عظمته فقال: ﴿وكفى بنا﴾ أي: بما لنا من العظمة ﴿حاسبين﴾ أي: محصين في كل شيء، فلا يكون في الحساب أحد مثلنا، ففيه توعد من جهة أن معناه أن لا يروج عليه شيء من خداع، ولا يقبل غلطاً ولا يضل ولا ينسى إلى غير ذلك من كل ما يلزم منه نوع لبس وشوب منقص ووعد من جهة أنه مطلع على حسن قصد وإن دق وخفي. ولما تكلم سبحانه وتعالى في دلائل التوحيد والنبوّة والمعاد شرع في قصص الأنبياء عليهم السلام تسلية لرسوله ﷺ فيما يناله من قومه وتقوية لقلبه على أداء الرسالة والصبر على كل عارض وذكر منها عشراً: القصة الأولى: قصة موسى عليه السلام المذكورة في قوله تعالى:
﴿ولقد آتينا موسى وهرون﴾ أي: أخاه الذي سأل ربه أن يشدّ أزره به ﴿الفرقان﴾ أي: التوراة الفارقة بين الحق والباطل وبين الحلال والحرام ﴿وضياء﴾ بهاء لا ظلام معه أي: ليستضاء بها في ظلمات الحيرة والجهل وقرأ قنبل بعد الضاد بهمزة مفتوحة ممدودة والباقون بياء بعدها ألف ﴿وذكراً﴾ أي: عظة ﴿للمتقين﴾ أو ذكر ما يحتاجون إليه من الشرائع وقيل الفرقان النصر وقيل فلق البحر ويراد بالضياء على هذين التوراة، ثم بيّن المتقين بوصفهم بقوله تعالى:
(٥/٣٦٥)
---


الصفحة التالية
Icon