﴿وأدخلناهم في رحمتنا﴾ أي: فعلنا بهم من الإحسان ما يفعله الراحم بمن يرحمه على وجه عمهم من جميع جهاتهم، فكان ظرفاً لهم، ثم علل ذلك بقوله تعالى: ﴿إنهم من الصالحين﴾ أي: لكل ما يرضاه تعالى منهم يعني أنهم جبلوا جبلة خير، فعملوا على مقتضى ذلك فكانوا من الكاملين في الصلاح وهم الأنبياء لأنّ صلاحهم معصوم عن كدر الفساد.
القصة الثامنة: قصة يونس عليه الصلاة والسلام المذكورة في قوله تعالى:
(٥/٤٠٧)
---
﴿وذا النون﴾ أي: واذكر صاحب الحوت وهو يونس بن متى ويبدل منه ﴿إذ ذهب مغاضباً﴾ واختلفوا في معنى ذلك، فقال الضحاك: مغاضباً لقومه، وهو رواية العوفي وغيره عن ابن عباس قال: كان قوم يونس يسكنون فلسطين، فغزاهم ملك فسبى منهم تسعة أسباط ونصفاً وبقي سبطان ونصف، فأوحى الله تعالى إلى شعيب النبيّ عليه السلام أن سر إلى حزقيل الملك وقل له يوجه نبياً قوياً إلى هؤلاء فإني ألقي في قلوبهم الرعب حتى يرسلوا معه بني إسرائيل فقال له الملك فمن ترى؟ وكان في مملكته خمسة أنبياء فقال يونس: فإنه قويّ أمين، فدعا الملك يونس وأمره أن يخرج فقال يونس: هل أمرك الله بإخراجي قال: لا قال: فهل سماني لك، قال: لا، قال: فههنا أنبياء غيري أقوياء فألحوا عليه، فخرج من بينهم مغاضباً للنبيّ والملك ولقومه، فأتى بحر الروم فركبه، وقال عروة بن الزبير وسعيد بن جبير وجماعة ذهب عن قومه مغاضباً لربه إذا كشف عن قومه العذاب بعد ما وعدهم به وكره أن يكون بين قوم قد جربوا عليه الخلف فيما وعدهم واستحيا منهم، ولم يعلم السبب الذي رفع به العذاب عنهم، و كان غضبه أنفة من ظهور خلف وعده وأن يسمى كذاباً لا كراهية الحكم لله تعالى.
وفي بعض الأخبار أنه كان من عادة قومه أن يقتلوا من جرب عليه الكذب، فخشي أن يقتلوه لما لم يأتهم العذاب للميعاد، فغضب والمغاضبة ههنا من المفاعلة التي تكون من واحد كالمنافرة والمعاقبة، فمعنى قوله مغاضباً أي: غضباناً.
(٥/٤٠٨)
---