تنبيه: الأصل وتقطعتم إلا أنّ الكلام صرف إلى الغيبة على طريقة الالتفات كأنه ينعي عليهم ما أفسدوه إلى آخرين، ويقبح عليهم فعلهم عندهم، ويقول لهم: ألا ترون إلى عظيم ما ارتكب هؤلاء في دين الله تعالى، والمعنى: جعلوا أمر دينهم فيما بينهم قطعاً كما يتوزع الجماعة الشيء ويقتسمونه بينهم، فيصير لهذا نصيب، ولذاك نصيب تمثيلاً لاختلافهم فيه وصيرورتهم فرقاً وأحزاباً شتى، ثم توعدهم بقوله تعالى: ﴿كلٌ﴾ أي: من هذه الفرق وإن بالغ في التمرّد ﴿إلينا﴾ يوم القيامة ﴿راجعون﴾ فنحكم بينهم فيتسبب عن ذلك أنّا نجازيهم إقامة للعدل، فنعطي كلاً من المحق التابع لأصفيائنا والمبطل المائل إلى الشياطين أعدائنا ما يستحقه، وذلك هو معنى قوله تعالى فارقاً بين المحسن والمسيء تحقيقاً للعدل وتشويقاً إلى الفضل
﴿فمن يعمل﴾ أي: منهم الآن ﴿من الصالحات وهو﴾ أي: والحال أنه ﴿مؤمن﴾ أي: يأتي بعمله على الأساس الصحيح ﴿فلا كفران﴾ أي: لا جحود ﴿لسعيه﴾ بل يشكر ويثاب عليه.
(٥/٤١٤)
---
تنبيه: قوله تعالى: فلا كفران نفى الجنس ليكون أبلغ من أن يقول: فلا نكفر سعيه ﴿وإنّا له﴾ أي: لسعيه ﴿كاتبون﴾ أي: مثبتون في صحيفة عمله وما أثبتناه فهو غير ضائع فلا يفقد منه شيئاً قل أو جل، ومن المعلوم أنّ قسيمه وهو من يعمل من السيئات وهو كافر، فلا نقيم له وزناً، ومن يعمل منها وهو مؤمن فهو تحت مشيئتنا قال البقاعيّ: ولعله حذف هذين القسمين ترغيباً في الإيمان، ولما كان هذا غير صريح في أنَّ هذا الرجوع بعد الموت بيّنه بقوله تعالى:
﴿وحرام﴾ أي: ممنوع ﴿على قرية﴾ أي: أهلها ﴿أهلكناها﴾ أي: بالموت ﴿أنهم لا يرجعون﴾ أي: إلينا بأن يذهبوا تحت التراب باطلاً من غير إحباس بل إلينا بموتهم راجعون فحبسناهم في البرزخ منعمين أو معذبين نعيماً أو عذاباً دون النعيم والعذاب الأكبر.
(٥/٤١٥)
---


الصفحة التالية
Icon