روي عن ابن عباس أنه قال: يطوي الله تعالى السموات السبع بما فيها من الخليقة والأرضين السبع بما فيها من الخليقة يطوي ذلك كله بيمينه أي بقدرته، حتى يكون ذلك بمنزلة خردلة، وروي عن ابن عباس أنه قال: قام فينا رسول الله ﷺ بموعظة فقال: «أيها الناس إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلاً أي: غير مختونين» ﴿كما بدأنا أوّل خلق نعيده﴾ أي: كما بدأناهم في بطون أمهاتهم عراة غرلاً غير مختونين نعيدهم يوم القيامة؛ نظيره قوله تعالى: ﴿ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرّة﴾ (الأنعام، ٩٤)
﴿وعداً﴾ وأكد ذلك بقوله تعالى ﴿علينا﴾ وزاده بقوله تعالى: ﴿إنّا كنّا﴾ أي: أزلاً وأبداً على حالة لا تحول ﴿فاعلين﴾ أي: شأننا أن نفعل ما نريد لا كلفة علينا في شيء من ذلك، ثم إنه تعالى حقق ذلك بقوله تعالى:
﴿ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر﴾ قال سعيد بن جبير ومجاهد الزبور جميع كتب الله تعالى المنزلة والذكر أمّ الكتاب الذي عنده، ومعناه من بعدما كتب ذكره في اللوح المحفوظ، وقال ابن عباس والضحاك: الزبور والتوراة والذكر الكتب المنزلة من بعد التوراة، وقال الشعبي: الزبور كتاب داود الذكر التوراة، وقيل: الزبور كتاب داود عليه السلام، والذكر القرآن، وبعد بمعنى قبل كقوله تعالى: ﴿وكان وراءهم ملك﴾ (الكهف، ٧٩)
أي: أمامهم، وقوله تعالى: ﴿والأرض بعد ذلك دحاها﴾ (النازعات، ٣٠)
أي: قبله، وقرأ حمزة بضم الزاي والباقون بفتحها ﴿أن الأرض﴾ أي: أرض الجنة ﴿يرثها عبادي﴾ وحقق ذلك ما أفادته إضافتهم إليه بقوله تعالى: ﴿الصالحون﴾ أي: المتحققون بأخلاق أهل الذكر، المقبلون على ربهم الموحدون له، المشفقون من الساعة، الراهبون من سطوته، الراغبون في رحمته، الخاشعون له، فهذا عام في كل صالح، وقال مجاهد: يعني أمّة محمد ﷺ دليله قوله تعالى: ﴿وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوّأ من الجنة حيث نشاء﴾ (الزمر، ٧٤)


الصفحة التالية
Icon