﴿وما أرسلناك﴾ أي: على حالة من الأحوال ﴿إلا﴾ على حال كونك ﴿رحمة للعالمين﴾ كلهم أهل السموات وأهل الأرض من الجنّ والإنس وغيرهم طائعهم بالثواب وعاصيهم بتأخير العقاب الذي كنا نستأصل الأمم به، فنحن نمهلهم ونترفق بهم إظهاراً لشرفك، وإعلاء لقدرك، ثم نردّ كثيراً منهم إلى دينك ونجعلهم من أكابر أنصارك وأعاظم أعوانك بعد طول ارتكابهم الضلال، وارتباكهم في إشراك المحال، ومن أعظم ما يظهر فيه هذا الشرف في عموم الرحمة وقت الشفاعة العظمى يوم يجمع الله تعالى الأوّلين والآخرين، وتقوم الملائكة صفوفاً والثقلان وسطهم، ويموج بعضهم في بعض من شدّة ما هم فيه يطلبون من يشفع لهم فيقصدون أكابر الأنبياء نبياً نبياً عليهم الصلاة والسلام، فيحيل بعضهم على بعض وكل منهم يقول: لست لها حتى ىأتوه ﷺ فيقول: «أنا لها»، ويقوم معه لواء الحمد، فيشفعه الله تعالى، وهو المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون، فهو ﷺ أفضل الخلق أجمعين، ولما أورد تعالى على الكفار الحجج في أن لا إله سواه وبيّن أنه أرسل رسوله رحمة للعالمين أتبع ذلك بأمره ﷺ بقوله تعالى:
(٥/٤٢٦)
---