﴿إنه﴾ تعالى ﴿يعلم الجهر من القول﴾ أي: مما يجهرون به من العظائم وغير ذلك، ونبه تعالى على ذلك فإنّ من أحوال الجهر أن ترتفع الأصوات جداً بحيث تختلط ولا يميز بينها ولا يعرف كثير من حاضريها ما قاله أكثر القائلين، فأعلم سبحانه وتعالى أنه لا يشغله صوت عن آخر، ولا يفوته شيء من ذلك ولو كثر ﴿ويعلم ما تكتمون﴾ مما تضمرونه في صدوركم من الأحقاد للمسلمين، ونظير ذلك قوله تعالى في أول السورة: ﴿قل ربي يعلم القول في السماء والأرض﴾ (الأنبياء، ٤)
ومن لازم ذلك من المجازاة عليه بما يحق لكم من تعجيل وتأجيل فستعلمون كيف تخيب ظنونكم ويتحقق ما أقول فتنطقون حينئذٍ بأني صادق ولست بساحر ولا شاعر ولا كاهن، فهو من أبلغ التهديد، فإنه لا أبلغ من التهديد بالعلم، ولما كان الإمهال قد يكون نعمة وقد يكون نقمة قال:
﴿وإن﴾ أي: وما ﴿أدري﴾ أن يكون تأخير عذابكم نعمة لكم كما تظنون أم لا ﴿لعله﴾ أي: تأخير العذاب ﴿فتنة﴾ أي: اختبار ﴿لكم﴾ ليظهر ما يعلمه منكم من السر لغيره لأنّ حالكم حال من يتوقع منه ذلك ﴿ومتاع﴾ لكم تتمتعون به ﴿إلى حين﴾ أي: بلوغ مدّة آجالكم التي ضربها لكم في الأزل، ثم يأخذكم بغتة وأنتم لا تشعرون، ولما كان لله أن يفعل ما يشاء من عدل وفضل، وكان من العدل جواز تعذيب الله تعالى الطائع وتنعيم المؤمن العاصي، وكان ﷺ قد بلغ الغاية في البيان لهم، وهم قد بلغوا النهاية في أذيته وتكذيبه أمر الله تعالى أن يفوّض الأمر إليه تسلية له بقوله تعالى:
(٥/٤٢٨)
---


الصفحة التالية
Icon