ولما كان الإحسان جالباً للإنسان لأن القلوب جبلت على حب من أحسن إليها بَيَّن أن ما قيل في جلب النفع إنما هو على سبيل الفرض، فقال تعالى: ﴿يدعو لمن﴾ أي: من ﴿ضرّه﴾ بكونه معبوداً، لأنه يوجب القتل والخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة ﴿أقر من نفعه﴾ الذي يتوقع منه بعبادته، وهو الشفاعة والتوسل بها إلى الله تعالى.
تنبيه: علم مما تقرّر أنّ اللام في لمن مزيدة كما قال الجلال المحلي، ﴿فإن قيل﴾: الضرر والنفع منفيان عن الأصنام مثبتان لها في الآيتين وهذا متناقض.
(أجيب) بأنّ المعنى إذا حصل ذهب هذا الوهم وذلك أنّ الله تعالى سفه الكافر بأنه يعبد جماداً لا يملك ضرّاً ولا نفعاً فيه بجهله وضلاله أنه ينتفع به حين يستشفع به ثم يوم القيامة يقوم هذا الكافر بدعاء وصراخ حين يرى استضراره بالأصنام ودخوله الرؤساء وهم الذين كانوا يفزعون إليهم بدليل قوله تعالى: ﴿لبئس المولى﴾ أي: الناصر هو ﴿ولبئس العشير﴾ أي: الصاحب هو قال الرازيّ وهذا الوصف بالرؤساء أليق لأنّ ذلك لا يكاد يستعمل في الأوثان فبين تعالى أنهم يعدلون عن عبادة الله إلى عبادة الأصنام وإلى طاعة الرؤساء.
ولما بين سبحانه وتعالى حال الكفار عقبه بحال المؤمنين بقوله تعالى: ﴿إنّ الله﴾ أي: الجامع لجميع صفات الكمال المنزه عن جميع شوائب النقص ﴿يُدخل الذين آمنوا﴾ بالله ورسله ﴿وعملوا﴾ تصديقاً لإيمانهم ﴿الصالحات﴾ من الفروض والنوافل الخالصة الشاهدة بثباتهم في الإيمان ﴿جنات تجري من تحتها﴾ أي: في أيّ مكان من أرضها ﴿الأنهار﴾.
(٥/٤٤٤)
---


الصفحة التالية
Icon