﴿والذين كفروا﴾ أي: ستروا ما أعطيناهم من المعرفة بالأدلة على وحدانيتنا ﴿وكذبوا بآياتنا﴾ أي: ساعين بما أعطيناهم من الفهم في تعجيزها بالمجادلة بما يوحي إليهم أولياؤهم من الشياطين من الشبه ﴿فأولئك﴾ أي: البعداء عن أسباب الكرم ﴿لهم عذاب مهين﴾ أي: شديد بسبب ما سعوا في إهانة آياتنا مريدين إعزاز أنفسهم بمغالبتنا والتكبر عن آياتنا.
(٥/٤٩٠)
---
فإن قيل: لم أدخل الفاء في خبر الثاني دون الأوّل؟ أجيب: بأن في ذلك تنبيهاً على أنّ إثابة المؤمنين بالجنان تفضل من الله تعالى، وأن عقاب الكافرين مسبب عن أعمالهم، ولذلك قال: ﴿لهم عذاب﴾ ولم يقل: هم في عذاب، ولما كان المؤمنون في حصر مع الكفار رغبهم الله في الهجرة بقوله تعالى:
﴿والذين هاجروا في سبيل الله﴾ أي: فارقوا أوطانهم وعشائرهم في طاعة الله وطلب مرضاته من مكة إلى المدينة ﴿ثم قتلوا﴾ في الجهاد بعد الهجرة، وقرأ ابن عامر بتشديد التاء والباقون بالتخفيف، وألحق به مطلق الموت فضلاً منه بقوله تعالى: ﴿أو ماتوا﴾ أي: من غير قتل ﴿ليرزقنّهم الله﴾ أي: الجامع لصفات الكمال ﴿رزقاً حسناً﴾ هو رزق الجنة من حين تفارق أرواحهم أشباحهم؛ لأنهم أحياء عند ربهم ﴿وإنّ الله﴾ أي: الملك الأعلى القادر على الإحياء كما قدر على الإماتة ﴿لهو خير الرازقين﴾ فإنه يرزق بغير حساب يرزق الخلق عامة البارّ منهم والفاجر.
فإن قيل: الرازق في الحقيقة هو الله تعالى لا رازق للخلق غيره فكيف قال: ﴿لهو خير الرازقين﴾؟ أجيب: بأنّ غير الله يسمى رازقاً على المجاز كقولهم: رزق السلطان الجيش أي: أعطاهم أرزاقهم، وإن كان الرازق في الحقيقة هو الله تعالى، ولما كان الرزق لا يتم إلا بحسن الدار وكان ذلك من أفضل الرزق قال تعالى دالاً على ختام التي قبل: