﴿الذين يرثون الفردوس﴾ وهو أعلى الجنة، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنّ رسول الله ﷺ قال: «في الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، والفردوس أعلاها درجة، منها تفجر أنهار الجنة الأربعة ومن فوقها يكون عرش الرحمن، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس» اللهمّ بجاه محمد ﷺ أنّ تجعلنا ووالدينا وأحبابنا من أهله ﴿هم فيها خالدون﴾ أي: لا يخرجون منها ولا يموتون وأنث الفردوس بقوله تعالى: ﴿فيها﴾، على تأنيث الجنة، وهو البستان الواسع الجامع لأصناف الثمر، روي «أنّ الله تعالى بنى جنة الفردوس لبنة من ذهب ولبنة من فضة، وجعل خلالها المسك الإذفر ـ وفي رواية: ولبنة من مسك مذرى ـ وغرس فيها من جيد الفاكهة وجيد الريحان»، وروي «أنّ الله تعالى خلق ثلاثة أشياء بيده خلق آدم بيده وكتب التوراة بيده، وغرس الفردوس بيده، ثم قال: وعزتي لا يدخلها مدمن خمر ولا ديوث»، والمراد أنّ الله تعالى لم يكل ذلك إلى غيره من ملك من الملائكة، والجنة مخلوقة الآن؛ قال تعالى: ﴿أعدت للمتقين﴾ (آل عمران، ١٣٣)، ولما أمر سبحانه وتعالى بالعبادات في هذه الآيات والاشتغال بعبادة الله لا يصح إلا بعد معرفة الله تعالى عقبها بذكر ما يدل على وجوده واتصافه بصفات الجلال والوحدانية فذكر من الدلائل أنواعاً:
الأول: الاستدلال بتقليب الإنسان في أدوار الخلقة وأدوار الفطرة، وهي تسع مراتب.
الأولى: قوله تعالى:
(٦/١٦)
---
﴿ولقد خلقنا الإنسان﴾ أي: آدم ﴿من سلالة﴾ هي من سللت الشيء من الشيء أي: استخرجته منه، وهو خلاصته، وقال ابن عباس: السلالة صفرة الماء، وقوله تعالى: ﴿من طين﴾ متعلق بسلالة، وقيل: المراد بالإنسان هذا النوع؛ والسلالة قال مجاهد: من بني آدم، وقال عكرمة: هو الماء يسيل من الظهر، والعرب تسمي النطفة سلالة، والولد سليلاً وسلالة؛ لأنهما مسلولان منه.
المرتبة الثانية: قوله تعالى: