﴿أم تسألهم﴾ أي: على ما جئتم به ﴿خرجاً﴾ أي: أجراً، وقرأ حمزة والكسائي بفتح الراء وبعدها ألف، والباقون بسكون الراء، ولما كان الإنكار معناه النفي حسن موقع فاء السببية في قوله تعالى:
﴿فخراج ربك﴾ أي: رزقه في الدنيا وثوابه في العقبى ﴿خير﴾ لسعته ودوامه، ففيه مندوحة لك عن عطائهم، وقرأ ابن عامر بسكون الراء والباقون بفتحها وألف بعدها قال أبو عمرو بن العلاء: الخرج ما تبرعت به، والخراج ما لزمك أداؤه؛ قال الزمخشري: والوجه أنّ الخرج أخص من الخراج كقولك: خراج القرية، وخرج الكردة أي: الرقبة زيادة اللفظ لزيادة المعنى، ولذلك حسنت قراءة من قرأ خرجاً فخراج ربك يعني أم تسألهم على هدايتك لهم قليلاً من عطاء الخلق، فالكثير من عطاء الخالق خير، وقوله تعالى: ﴿وهو خير الرازقين﴾ تقرير لخيرية خراجه. ولما زيف سبحانه وتعالى طريق القوم أتبعه بصحة ما جاء به الرسول عليه السلام بقوله تعالى:
﴿وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم﴾ تشهد عقولهم السليمة على استقامته لا عوج فيه يوجب اتهامهم له، كما تشهد له به العقول الصحيحة، فمن سلكه أوصله إلى الغرض، فحاز كل شرف.
تنبيه: قد ألزمهم الله تعالى الحجة في هذه الآيات، وقطع معاذيرهم وعللهم، فإن الذي أرسل إليهم رجل معروف أمره وحاله مخبور سره وعلنه خليق بأنّ يجتبى مثله للرسالة من بين ظهرانيهم وأنه لم يعرض له حتى يدعي مثل هذه الدعوى العظيمة بباطل، ولم يجعل له سلماً إلى النيل من دنياهم واستعطاء أموالهم، ولم يدعهم إلى دين الإسلام الذي هو الصراط المستقيم إلا مع إبراز المكنون من أدوائهم وهو إخلالهم بالتدبر والتأمل من غير برهان.
﴿وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة﴾ أي: بالبعث والثواب والعقاب ﴿عن الصراط﴾ أي: الذي لا صراط غيره؛ لأنه لا موصل إلى القصد غيره ﴿لناكبون﴾ أي: عادلون منحرفون في سائر أحوالهم سائرون على غير منهج أصلاً بل خبط عشواء.
(٦/٥٠)
---


الصفحة التالية
Icon