أي: خلق ﴿لكم﴾ يا من يكذب بالآخرة ﴿السمع﴾ بمعنى الإسماع ﴿والأبصار﴾ على غير مثال سبق لتحسنوا بها ما نصب من الآيات ﴿والأفئدة﴾ أي: التي هي مراكز العقول فتتفكروا في الآيات وتستدلوا بها على الوحدانية فكنتم بها أعلى من بقية الحيوان جمع فؤاد وهو القلب، وإنما خص هذه الثلاثة بالذكر؛ لأنه يتعلق بها من المنافع الدينية والدنيوية ما لا يتعلق بغيرها، فمن لم يعملها فيما خلقت له، فهو بمنزلة عادمها كما قال عز وجل: ﴿فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم، ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله﴾ (الأحقاف، ٢٦)، ولما صور لهم هذه النعم وهي بحيث لا يشك عاقل في أنه لو تصور أنّ يعطي آدمي شيئاً منها لم يقدر على مكافأته حسن تبكيتهم في كفر النعم، فقال تعالى: ﴿قليلاً ما تشكرون﴾ لمن أولاكم هذه النعم التي لا يقدر غيره على شيء منها مع ادعائكم أنكم أشكر الناس لمن أسدى إليكم أقل ما يكون من النعم التي يقدر على مثلها كل أحد، فكنتم بذلك مثل الحيوانات العجم صماً بكماً عمياً؛ قال أبو مسلم: ليس المراد أنّ لهم شكراً وإن قل، لكنه يقال للكفور الجاحد النعمة ما أقل شكر فلان.
ثانيها: ما ذكره في قوله تعالى: ﴿وهو﴾ أي: وحده ﴿الذي ذرأكم﴾ أي: خلقكم وبثكم ﴿في الأرض﴾ للتناسل ﴿وإليه﴾ وحده ﴿تحشرون﴾ يوم النشور.
ثالثها: ما ذكره بقوله تعالى:
﴿وهو﴾ أي: وحده ﴿الذي﴾ من شأنه أنه ﴿يحي ويميت﴾ فلا مانع له من البعث ولا غيره مما يريده.
رابعها: ما ذكره بقوله تعالى: ﴿وله اختلاف الليل والنهار﴾ أي: التصرف فيهما بالسواد والبياض والزيادة والنقصان ﴿أفلا تعقلون﴾ أي: بالنظر والتأمل أنّ الكل منا وأن قدرتنا تعم الممكنات كلها، وأن البعث من جملتها فتعتبرون، ولما كان معنى الاستفهام الإنكاري النفي حسن بعده بقوله تعالى:
(٦/٥٣)
---