﴿وأعوذ بك رب﴾ أي: أيها المربى لي ﴿أن يحضرون﴾ في حال من الأحوال خصوصاً حال الصلاة وقراءة القرآن وحلول الأجل؛ لأنها أحرى الأحوال، وهم إنما يحضرون بالسوء، ولو لم تصل إليَّ وساوسهم، فإن بعدهم بركة، وعن جبير بن مطعم قال: رأيت النبي ﷺ يصلي صلاة قال عمر: ولا أدري أي صلاة هي فقال: «الله أكبر كبيراً ثلاثاً، والحمد لله كثيراً ثلاثاً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً ثلاثاً أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من نفخه ونفثه وهمزه؛ قال: نفثه الشعر ونفخه الكبر، وهمزه الموتة» أخرجه أبو داود؛ لأن الشعر يخرج من القلب فيلفظ به اللسان، وينفثه كما ينفث الريق والمتكبر ينتفخ ويتعاظم ويجمع نفسه ويحتاج إلى أن ينفخ، والموتة الجنون والمجنون يصير في الدنيا كالميتة، ثم إن الله تعالى أخبر أن هؤلاء الكفار الذين ينكرون البعث يسألون الرجعة إلى الدنيا عند معاينة الموت بقوله تعالى: ﴿حتى﴾ وهي هنا كما قال الجلال المحلي ابتدائية أو متعلقة بيصفون أو بكاذبون كما قال الزمخشري، وقدّم المفعول ليذهب الوهم في فاعله كل مذهب فقال:
﴿إذا جاء أحدهم الموت﴾ فكشف له الغطاء وظهر له الحق ولاحت له بوارق العذاب، ولم يبق في شيء من ذلك ارتياب ﴿قال﴾ متحسراً على ما فرّط فيه من الإيمان والطاعة مخاطباً لملائكة العذاب على عادة جهله ووقوفه مع المحسوس من دأب البهائم ﴿رب ارجعون﴾ أي: ردوني إلى الدنيا دار العمل، ويجوز أن يكون الجمع له تعالى وللملائكة أو للتعظيم على عادة مخاطبات الأكابر سيما الملوك كقوله:
*ألا فارحموني يا إله محمد
وقوله:
*فإن شئت حرمت النساء سواكم
أو القصد تكرير الفعل للتأكيد؛ لأنه في معنى أرجعني كما قيل في قفا واطرقا فإنهما بمعنى قف قف واطرق اطرق، ولما كان في تلك الحالة مع وصوله إلى الغرغرة ليس على القطع من اليأس قال:
(٦/٦٠)
---