﴿أفحسبتم أنما خلقناكم﴾ على ما لنا من العظمة، وقوله تعالى: ﴿عبثاً﴾ حال أي: عابثين كقوله: لاعبين، أو مفعول له أي: ما خلقناكم للعبث، ولم يدعنا إلى خلقكم إلا حكمة اقتضت ذلك، وهي أن نتعبدكم ونكلفكم المشاق من الطاعات وترك المعاصي ﴿و﴾ حسبتم ﴿أنكم إلينا لا ترجعون﴾ في الآخرة للجزاء، وروى البغوي بسنده عن أنس «أن رجلاً مصاباً مرَّ به على ابن مسعود فرقاه في أذنه أفحسبتم إنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون، ثم ختم السورة فبرىء فقال رسول الله ﷺ والذي نفسي بيده لو أن رجلاً موقناً قرأها على جبل لزال»، وقرأ حمزة والكسائي بفتح التاء الفوقية وكسر الجيم، والباقون بضم الفوقية وفتح الجيم، ثم نزّه سبحانه وتعالى نفسه عما يقوله ويصفه به المشركون بقوله تعالى:
﴿فتعالى الله﴾ أي: الذي له الجلال والجمال علواً كبيراً عن العبث، وغيره مما لا يليق به ﴿الملك﴾ أي: المحيط بأهل مملكته علماً وقدرة وسياسة وحفظاً ورعاية ﴿الحق﴾ أي: الذي لا يتطرق الباطل إليه في شيء في ذاته ولا في صفاته فلا زوال له ولا لملكه ﴿لا إله إلا هو﴾ فلا يوجد له نظير أصلاً في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، فهو متعالٍ عن سمات النقص والعبث، ثم زاد في التعيين والتأكيد والتفرد بوصفه بصفة لا يدعيها غيره بقوله تعالى: ﴿رب العرش﴾ أي: السرير المحيط بجميع الكائنات التي تنزل منه محكمات الأقضية والأحكام ولذا وصفه بالكرم فقال: ﴿الكريم﴾ أو لنسبته إلى أكرم الأكرمين، ولما بيّن سبحانه وتعالى أنه الملك الحق لا إله إلا هو أتبعه بأن من ادّعى إلهاً آخر، فقد ادعى باطلاً بقوله تعالى:
(٦/٦٨)
---