﴿يومئذٍ يوفيهم الله دينهم الحق﴾ أي: جزاءهم الواجب الذين هم أهله ﴿ويعلمون﴾ عند ذلك ﴿أن الله هو الحق المبين﴾ حيث حقق لهم جزاء الذي كانوا يشكون فيه فأوجز في ذلك وأشبع وفصل وأجمل وأكد وكرر، وجاء بما لم يقع في وعيد المشركين وعبدة الأوثان إلا ما هو دونه في الفظاعة وما ذاك إلا لأمر عظيم، وعن ابن عباس أنه كان بالبصرة يوم عرفة، وكان يسأل عن تفسير القرآن حتى سئل عن هذه الآيات فقال: من أذنب ذنباً ثم تاب منه قبلت توبته إلا من خاض في أمر عائشة، وهذا منه مبالغة وتعظيم لأمر الإفك ولقد برّأ الله تعالى أربعة بأربعة برّأ يوسف عليه السلام بلسان الشاهد فقال تعالى: ﴿وشهد شاهد من أهلها﴾ (يوسف، ٢٦)
الآية، وبرّأ موسى عليه الصلاة والسلام من قول اليهود فيه بالحجر الذي ذهب بثوبه، وبرّأ مريم بإنطاق ولدها عليه الصلاة والسلام حين نادى من تحتها ﴿إني عبد الله﴾ (مريم، ٣٠)
الآية، وبرّأ عائشة رضي الله تعالى عنها بهذه الآيات العظام في كتابه المعجز المتلو على وجه الدهر مثل هذه التبرئة بهذه المبالغات فانظر كيف بينها وبين تبرئة أولئك وما ذاك إلا لإظهار علو منزلة رسول الله ﷺ والتنبيه على أنافة محل سيد ولد آدم وخيرة الأولين والآخرين وحجة الله على العالمين، ومن أراد أن يتحقق عظمة شأنه وتقدم قدمه وإحرازه لقصب السبق دون كل سابق فليتلق ذلك من آيات الإفك وليتأمل كيف غضب الله تعالى له في حرمته، وكيف بالغ في نفي التهمة عن حجابه، وقال قوم: ليس لمن قذف عائشة وبقية أزواج النبي ﷺ توبة؛ لأن الله تعالى لم يذكر في قذفهن توبة، وما ذكر من أول السورة فذاك في قذف غيرهن.
فإن قيل: إن كانت عائشة هي المرادة، فكيف قيل المحصنات؟ أجيب: بأنها لما كانت أم المؤمنين جمعت إرادة لها ولبناتها من نساء الأمة الموصوفات بالإحصان والغفلة والإيمان ولذا قيل: إن هذا حكم كل قاذف ما لم يتب.
(٦/١٠٧)
---