﴿يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم﴾ أي: التي تسكنونها، فإن المؤجر والمعير لا يدخلان إلا بإذن، وقرأ ورش وأبو عمر وحفص بضم الباء الموحدة، والباقون بكسرها، وفي قوله تعالى: ﴿حتى تستأنسوا﴾ وجهان: أحدهما: أنه من الاستئناس الظاهر الذي هو خلاف الاستيحاش؛ لأن الذي يطرق باب غيره لا يدري أيؤذن له أم لا فهو كالمستوحش من خفاء الحال عليه، فإذا أذن له فقد استأنس، والمعنى حتى يؤذن لكم كقوله تعالى: ﴿لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم﴾ (الأحزاب، ٥٣)، وهذا من باب الكناية والإرداف؛ لأن هذا النوع من الاستئناس يردف الإذن، فوضع موضع الإذن، والثاني: أن يكون من الاستئناس بمعنى الاستعلام والاستكشاف استفعال من أنس الشيء إذا أبصره ظاهراً مكشوفاً، والمعنى تستعلموا وتستكشفوا الحال هل يراد دخولكم أم لا، ومنه قولهم: استأنس هل ترى أحداً، واستأنست فلم أرَ أحداً أي: تعرفت واستعلمت، وقال الخليل بن أحمد: الاستئناس: الاستبصار، من قولهم: آنست ناراً؛ أي: أبصرت، وقيل: هو أن يتكلم بالتسبيحة والتكبيرة والتحميدة ويتنحنح يؤذن أهل البيت، وعن أبي أيوب الأنصاري قال: يا رسول الله: ما الاستئناس؟ قال: «أن يتكلم الرجل» ﴿وتسلموا على أهلها﴾ كأن يقول الواحد: السلام عليكم أأدخل ثلاث مرات، فإن أذن له دخل، وإلا رجع قال قتادة: المرة الأولى للتسميع، والثانية: ليتهيأ، والثالثة: إن شاء أذن، وإن شاء رد، وهذا من محاسن الآداب، فإن أول مرة ربما منعهم بعض الأشتغال من الإذن، وفي الثانية ربما كان هناك مانع يقتضي المنع، فإن لم يجب في الثالثة يستدل بعدم الإذن على مانع، ولهذا كان الأولى في الاستئذان ثلاثاً أن لا تكون متصلة، بل يكون بين كل واحدة والأخرى وقت ما.
(٦/١١١)
---