قال الزمخشري: بينا أنت في بيتك إذ رعف عليك الباب بواحد من غير استئذان ولا تحية من تحايا إسلام ولا جاهلية، وهو ممن يسمع ما أنزل الله فيه، وما قال رسول الله ﷺ ولكن أين الأذن الواعية. ﴿ذلكم خير لكم﴾ أي: من تحية الجاهلية، ومن أن تدخلوا من غير استئذان. «روي أن رجلاً قال للنبي ﷺ أأستأذن على أمي؟ قال: نعم، قال: إنها ليس لها خادم غيري أأستأذن عليها كلما دخلت؟ قال: أتحب أن تراها عريانة؟ قال الرجل: لا، قال: فاستأذن»، وقوله تعالى: ﴿لعلكم تذكرون﴾ متعلق بمحذوف أي: أنزل عليكم، وقيل: بين لكم هذا إرادة أن تذكروا وتتعظوا وتعملوا بما أمرتم به في باب الاستئذان، وقرأ حفص وحمزة والكسائي بتخفيف الذال والباقون بالتشديد.
﴿فإن لم تجدوا فيها﴾ أي: البيوت ﴿أحداً﴾ يأذن لكم في دخولها ﴿فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم﴾ أي: حتى يأتي من يأذن لكم فإن المانع من الدخول فيها ليس الاطلاع على العورات فقط، وإنما شرع لئلا يوقف على الأحوال التي تطويها الناس في العادة عن غيرهم ويتحفظون من اطلاع أحد عليها ولأنه تصرف في ملك غيرك، فلا بد أن يكون برضاه وإلا أشبه الغصب والتغلب ﴿وإن قيل لكم ارجعوا﴾ أي: بعد الاستئذان ﴿فارجعوا﴾ أي: إذا كان في البيت أحد، وقال لكم: ارجعوا فارجعوا ﴿هو﴾ أي: الرجوع ﴿أزكى﴾ أي: أطهر وأصلح ﴿لكم﴾ من الوقوف على الأبواب منتظرين؛ لأن هذا مما يجلب الكراهة ويقدح في قلوب الناس خصوصاً إذا كانوا ذوي مروءة مرتاضين للآداب الحسنة وإذا نهي عن ذلك لأدائه إلى الكراهة وجب الانتهاء عن كل ما يؤدي إليها من قرع الباب بعنف والتصييح بصاحب الدار وغير ذلك مما يدخل في عادات من لم يتهذب من أكثر الناس، وعن أبي عبيد رحمه الله تعالى: ما قرعت باباً على عالم قط، وكفى بقصة بني أسد زاجرة وما نزل فيها من قوله تعالى: ﴿إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون﴾، (الحجرات، ٤)
(٦/١١٣)
---