﴿تبارك﴾ أي: ثبت ثباتاً مقترناً باليمن والبركة لا ثبات إلا هو ﴿الذي إن شاء﴾ فإنه لا مكره له ﴿جعل لك﴾ أي: في الدنيا ﴿خيراً من ذلك﴾ أي: من الذي قالوه على طريق التهكم من الكنز والبستان، وقوله تعالى: ﴿جنات﴾ بدل من خيراً، ويجوز أن يكون منصوباً بإضمار أعني، ثم وصفها بقوله تعالى: ﴿تجري من تحتها الأنهار﴾ أي: تكون أرضها عيوناً نابعة أي: في أي موضع أريد منه إجراء نهر جرى، فهي لا تزال رياً تغني صاحبها عن كل حاجة ولا تحوجة في استمرارها إلى سقي ﴿ويجعل لك قصوراً﴾ أيضاً وهي جمع قصر، وهو المسكن الرفيع، قال المفسرون: القصور هي البيوت المشيدة، والعرب تسمي كل بيت مشيد قصراً، ويحتمل أن يكون لكل جنة قصر، فيكون مسكناً ومنتزهاً، ويجوز أن تكون القصور مجموعة والجنات مجموعة، وقال مجاهد: إن شاء جعل جنات في الآخرة وقصوراً في الدنيا، ولم يشأ الله سبحانه وتعالى ما أشار إليه في هذه الآية الشريفة في هذه الدنيا الفانية وأخره إلى الآخرة الباقية، وقد عرض عليه سبحانه وتعالى ما شاء في ذلك في الدنيا فأباه.
روي أنه عليه الصلاة والسلام قال: «عرض علي ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهباً فقلت: لا يا رب ولكن أشبع يوماً وأجوع يوماً، أو قال: ثلاثاً أو نحو هذا فإذا جعت تضرعت إليك، وإذا شبعت حمدتك وشكرتك»، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ﷺ «لو شئت لسارت معي جبال مكة ذهباً جاءني ملك فقال: إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول لك: إن شئت نبياً عبداً وإن شئت نبياً ملكاً، فنظرت إلى جبريل عليه السلام فأشار إلي أن ضع نفسك، فقلت: نبياً عبداً، قالت: وكان النبي ﷺ بعد ذلك لا يأكل متكئاً، ويقول: آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد».
(٦/١٩٨)
---