فإن قيل: إن الجنة ستصير للمتقين جزاءً ومصيراً لكنها بعدما صارت كذلك فلم قال تعالى: ﴿كانت﴾؟ أجيب: من وجهين: الأول: أن ما وعده الله تعالى فهو في تحققه كالواقع، الثاني: أنه كان مكتوباً في اللوح المحفوظ قبل أن يخلقهم الله تعالى بأزمنة متطاولة أن الجنة جزاؤهم ومصيرهم، فإن قيل: لم جمع تعالى بين الجزاء والمصير؟ أجيب: بأن ذلك كقوله تعالى: ﴿نعم الثواب وحسنت مرتفقاً﴾ (الكهف، ٣١)، فمدح الثواب ومكانه، كما قال تعالى: ﴿بئس الشراب وساءت مرتفقاً﴾ (الكهف، ٢٩)
فذم العذاب ومكانه؛ لأن النعيم لا يتم للمتنعم إلا بطيب المكان وسعته وموافقته للمراد والشهوة، وإلا تنغص، وكذلك العقاب يتضاعف بغثاثة الموضع وضيقه وظلمته، فلذلك ذكر المصير مع ذكر الجزاء.
تنبيه: المتقي يشمل من اتقى الكفر وإن لم يتق المعاصي وإن كان غيره أكمل، ثم ذكر تعالى تنعمهم فيها بعد أن ذكر نعيمهم بقوله تعالى:
﴿لهم فيها﴾ أي: الجنة ﴿ما يشاؤون﴾ من كل ما تشتهيه أنفسهم كما قال تعالى: ﴿ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم﴾ (فصلت، ٣١)
(٦/٢٠٣)
---
﴿وفيها ما تشتهي الأنفس﴾ (الزخرف، ٧١)