ولما كان هذا الاستفهام مفيداً للنفي استأنف ما أفهمه بقوله تعالى: ﴿إن﴾ أي: ما ﴿هم إلا كالأنعام﴾ أي: في عدم انتفاعهم بقرع الآيات آذانهم وعدم تدبرهم فيما شاهدوا من الدلائل والمعجزات ﴿بل هم أضل﴾ أي: منها ﴿سبيلاً﴾ لأنها تنقاد لمن يتعهدها، وتميز من يحسن إليها ممن يسيء إليها، وتطلب ما ينفعها وتجتنب ما يضرها وتهتدي لمراعيها ومشاربها، وهؤلاء لا ينقادون لربهم ولا يعرفون إحسانه إليهم من إساءة الشيطان الذي هو عدوهم، ولا يطلبون الثواب الذي هو أعظم المنافع ولا يتقون العقاب الذي هو أشد المضار والمهالك، ولا يهتدون للحق الذي هو المشرع الهني والعذب الروي، ولما بين تعالى جهل المعرضين عن دلائل التوحيد وبين فساد طريقهم ذكر أنواعاً من الدلائل على وجود الصانع أولها: الاستدلال بالنظر إلى حال الظل مخاطباً رأس المخلصين الناظرين هذا النظر حثاً لأهل وده على مثل ذلك بقوله تعالى:
﴿ألم ترَ﴾ أي: تنظر ﴿إلى ربك﴾ أي: إلى صنعه وقدرته ﴿كيف مد الظل﴾ وهو ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس بجعله ممدوداً؛ لأنه ظل لا شمس معه، كما قال تعالى في ظل الجنة: ﴿وظل ممدود﴾ (الواقعة، ٣٠)
(٦/٢٣١)
---