ومعنى فأرسل إلى هارون: أرسل إليه جبريل واجعله نبياً وأزرني به واشدد به عضدي، وهذا الكلام مختصر وقد بسطه في غير هذا الموضع وقد أحسن في الاختصار حيث قال: ﴿فأرسل إلى هارون﴾ فجاء بما يتضمن معنى الاستنباء، ومثله في تقصير الطويلة والحسن قوله تعالى: ﴿فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا فدمرناهم تدميراً﴾ (الفرقان، ٣٦)
حيث اقتصر على ذكر طرفي القصة أولها وآخرها وهما الإنذار والتدمير، ودل بذكرهما على ما هو الغرض من القصة الطويلة كلها وهو أنهم قوم كذبوا بآيات الله فأراد الله إلزام الحجة عليهم فبعث إليهم رسولين فكذبوهما فأهلكهم.
فإن قيل: كيف ساغ لموسى عليه السلام أن يأمره ربه بأمر فلا يقبله بسمع وطاعة من غير توقف وتشبث بعلل، وقد علم أن الله تعالى عليم بحاله؟ أجيب: بأنه قد امتثل وتقبل ولكنه التمس من ربه أن يعضده بأخيه حتى يتعاونا على تنفيذ أمره وتبليغ رسالته فمهد قبل التماسه عذراً فيما التمسه ثم التمس بعد ذلك، وتمهيد العذر في التماس المعين على تنفيذ الأمر ليس بتوقف في امتثال الأمر ولا بتعلل فيه، وكفى بطلب العون دليلاً على التقبل لا على التعلل، ثم زاد في الاعتذار في طلب العون خوفاً من أن يقتل قبل تبليغ الرسالة بقوله:
﴿ولهم علي ذنب﴾ أي: تبعه ذنب فحذف المضاف، أو سمى باسمه كما يسمى جزاء السيئة سيئة وهو قتله القبطي وسماه ذنباً على زعمهم، وهذا اختصار قصته المبسوطة في مواضع. ﴿فأخاف﴾ بسبب ذلك ﴿أن يقتلون﴾ أي: يقتلونني به.
﴿قال﴾ الله تعالى ﴿كلا﴾ أي: ارتدع عن هذا الكلام فإنه لا يكون شيءُ، مما خفت لا قتل ولا غيره، وكأنه لما كان التكذيب مع ما قام عليه من الصدق من البراهين المقوية لصاحبها الشارحة لصدره العلية لأمره عدّ عدماً، وقد أجبناك إلى الإعانة بأخيك.
﴿فاذهبا﴾ أي: أنت وأخوك متعاضدين إلى ما أمرتك به مؤيدين ﴿بآياتنا﴾ الدالة على صدقكما.
(٧/٨)
---