تنبيه: الواو في أولو جئتك واو الحال وليتها الهمزة بعد حذف الفعل كما علم من التقرير، فإن قيل: كيف قطع الكلام بما لا تعلق له بالأوّل وهو قوله أولو جئتك بشيء مبين أي: بآية بينة والمعجز لا يدل على ذلك كدلالة سائر ما تقدم؟ أجيب: بأنه يدل بما أراد أن يظهره من انقلاب العصا حية على الله تعالى وعلى توحيده وعلى أنه صادق في ادعاء الرسالة، فالذي ختم به كلامه ما تقدم.
﴿فألقى﴾ أي: فتسبب عن ذلك وتعقبه أن ألقى موسى ﴿عصاه﴾ التي تقدم في غير سورة أنّ الله تعالى أراه إياها ولم يصرّح باسمه اكتفاء بضميره لأنه غير ملتبس ﴿فإذا هي ثعبان﴾ أي: حية في غاية الكبر ﴿مبين﴾ أي: ظاهر ثعبانيته، روي أنها لما انقلبت حية ارتفعت إلى السماء قدر ميل ثم انحطت مقبلة إلى فرعون تقول يا موسى مرني بما شئت، ويقول فرعون أسألك بالذي أرسلك إلا ما أخذتها فأخذها فعادت عصا، فإن قيل: كيف قال هنا ﴿ثعبان مبين﴾ وفي آية أخرى ﴿فإذا هي حية تسعى﴾ (طه: ٢٠)
وفي آية ثالثة ﴿كأنها جان﴾ (النمل: ١٠)
والجان مائل إلى الصغر والثعبان إلى الكبر؟ أجيب: بأن الحية اسم الجنس ثم لكبرها صارت ثعباناً، وشبهها بالجان لخفتها وسرعتها، ويحتمل أنه شبهها بالشيطان لقوله تعالى: ﴿والجانّ خلقناه من قبل من نار السموم﴾ (الحجر: ٢٧)
ويحتمل أنها كانت صغيرة كالجان ثم عظمت فصارت ثعباناً، ثم إنّ موسى ج لما أراه آية العصا قال فرعون هل غيرها قال: نعم.
﴿ونزع يده﴾ أي: التي كانت احترقت لما أخذ الجمرة وهو في حجر فرعون، وبذل فرعون جهده في علاجها بجميع من قدر عليه من الأطباء فعجزوا عن إبرائها نزعها من جيبه بعد أن أراه إياها على ما يعهده منها ثم أدخلها في جيبه ﴿فإذا هي﴾ بعد النزع ﴿بيضاء للناظرين﴾ يضيء الوادي من شدّة بياضها من غير برص، لها شعاع كشعاع الشمس يعشي البصر ويسدّ الأفق، فعند هذا أراد فرعون لعمية هذه الحجة على قومه فذكر أموراً أوّلها أن.
(٧/١٧)
---