﴿إن هؤلاء﴾ إشارة بأداة القرب تحقيراً لهم إلى أنهم في القبضة وإن بعدوا لما بهم من العجز وبآل فرعون من القوّة فليسوا بحيث يخاف قوتهم ﴿لشرذمة﴾ أي: طائفة وقطعة من الناس ﴿قليلون﴾ أي: بالنسبة إلى مالنا من الجنود التي لا تحصى فذكرهم أولاً بالاسم الدال على القلة بالشرذمة وهي الطائفة القليلة، ومنها قولهم: ثوب شرذم للذي بلي وتقطع قطعاً، ثم جعلهم قليلاً بالوصف ثم جمع القليل فجعل كل حزب منهم قليلاً واختار جمع السلامة الذي هو للقلة مع أنهم كانوا ستمائة ألف وسبعين ألفاً وسماهم بشرذمة قليلين وذلك بالنسبة لما أرسله خلفهم، فإنّ الذي أرسله فرعون في أثرهم ألف ألف وخمسمائة ألف ملك مسور ومع كل ملك ألف، وخرج فرعون في جمع عظيم وكان مقدمته سبعمائة ألف كل رجل على حصان وعلى رأسه بيضة، وعن ابن عباس خرج فرعون في ألف ألف حصان سوى الإناث فلذلك استقل قوم موسى، قال الزمخشري ويجوز أن يريد بالقلة الذلة والقماءة ولا يريد قلة العدد، والمعنى: أنهم لقلتهم لا يبالي بهم ولا يتوقع عليهم غلبتهم وعلوّهم ولكنهم يفعلون أفعالاً تغيظنا وتضيق صدورنا، كما قال تعالى عنهم.
﴿وإنهم لنا لغائظون﴾ أي: بما فجعونا به من أنفسهم وبما استعاروه من الزينة من الأواني الذهب والفضة وفاخر الكسوة فلا رحمة في قلوبهم بجمعهم.
﴿وإنا لجميعٌ حذرون﴾ أي: من عادتنا الحذر والتيقظ واستعمال الحزم في الأمور فإذا خرج علينا خارج سارعنا إلى حسم فساده، وهذه معاذير اعتذر بها إلى أهل المدائن لئلا يظن به ما يكسر من قهره وسلطانه، وقرأ ابن ذكوان والكوفيون بألف بعد الحاء، والباقون بغير ألف، قال أبو عبيدة والزجاج: هما بمعنى واحد يقال رجل حذر وحذور وحاذر بمعنى، وقيل بل بينهما فرق فالحذر المتيقظ والحاذر الخائف.
(٧/٢٦)
---