وقال ﴿فأراد ربك أن يبلغا أشدهما﴾ (الكهف، ٨٢)، وأجاب الرازي بأنّ أكثر أسباب المرض محدث بتفريط الإنسان في مطاعمه ومشاربه وغير ذلك، ومن ثم قال الحكماء لو قيل لأكثر الموتى ما سبب آجالكم لقالوا التخم، وبأنّ الشفاء محبوب وهو من أصول النعم والمرض مكروه وليس من النعم، وكان مقصود إبراهيم عليه السلام تعديد النعم ولما لم يكن المرض من النعم لا جرم لم يضفه إلى الله تعالى ولا ينتقض ذلك بإسناد الإماتة إليه كما سيأتي، فإنّ الموت ليس بضرّ لأنّ شرط كونه ضرّاً وقوع الإحساس به وحال الموت لا يحصل الإحساس به إنما الضرر في مقدماته وذلك هو عين المرض، ولأنّ الأرواح إذا كملت في العلوم والأخلاق كان بقاؤها في هذه الأجساد عين الضرر وخلاصها عنها عين السعادة بخلاف المرض.
﴿والذي يميتني﴾ يقبض روحي في الدنيا ليخلصني من آفاتها ﴿ثم يحيين﴾ للمجازاة في الآخرة كما شفاني من المرض، ولهذا التراخي بين الموت والإحياء أتى بثم هنا لأنّ الإماتة في الدنيا والإحياء في الآخرة، ولما ذكر البعث ذكر ما يترتب عليه بقوله:
﴿والذي أطمع﴾ هضماً لنفسه وإطراحاً لأعماله ﴿أن يغفر﴾ أي: يمحو أو يستر ﴿لي خطيئتي﴾ أي: تقصيري عن أن أقدره حق قدره ﴿يوم الدين﴾ أي: الجزاء.
روي أنّ عائشة قالت قلت يا رسول الله: إنّ ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذلك نافعه؟ قال: «لا ينفعه، إنه لم يقل يوماً رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين» وهذا كله احتجاج من إبراهيم على قومه أنه لا يصلح للإلهية إلا من يفعل هذه الأفعال.
فإن قيل: لم قال والذي أطمع والطمع عبارة عن الظنّ والرجاء وهو عليه السلام كان قاطعاً بذلك؟.
أجيب: بأنّ في ذلك إشارة إلى أن الله تعالى لا يجب عليه لأحد شيء، فإنه يحسن منه تعالى كل شيء ولا اعتراض لأحد عليه في فعله.
(٧/٣٧)
---


الصفحة التالية
Icon