﴿فاتقوا﴾ أي: فتسبب عن ذلك. أني أقول لكم اتقوا ﴿الله﴾ الذي له جميع العظمة بأن تجعلوا بينكم وبين عذابه وقاية باتباع أوامره واجتناب زواجره ﴿وأطيعون﴾ أي: في كل ما أمرتكم به عنه فإني لا آمركم إلا بما يصلحكم.
﴿ولا تطيعوا أمر المسرفين﴾ أي: المجاوزين للحدود، وقال ابن عباس: المشركين، وقال مقاتل: هم التسعة الذين عقروا الناقة.
تنبيه: استعير الطاعة التي هي انقياد للآمر لامتثال الأمر، أو جعل الأمر مطاعاً على المجاز الحكمي والمراد الآمر، ومنه قولهم: لك على أمرة مطاعة وقوله تعالى: ﴿وأطيعوا أمري﴾ (طه: ٩٠)
ثم وصف المسرفين بما بين سرفهم بقوله.
﴿الذين يفسدون في الأرض﴾ بالمعاصي ﴿ولا يصلحون﴾ أي: ولا يطيعون الله في أمرهم به، فإن قيل: فما فائدة ولا يصلحون بعد قوله: يفسدون؟ أجيب: بأنّ في ذلك دلالة على خلوص فسادهم فليس فيه شيء من الصلاح كما يكون حال بعض المفسدين مخلوطاً ببعض الصلاح، ولما عجزوا عن الطعن في شيء مما دعاهم إليه عدلوا إلى التخييل على عقول الضعفاء بأن.
(٧/٥٦)
---
﴿قالوا إنما أنت من المسحرين﴾ قال مجاهد وقتادة: من المسحورين المخدوعين، أي: ممن سحر مرة بعد مرة، أي: حتى غلب على عقله، وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أي: من المخلوقين المعللين بالطعام والشراب ولست بملك وعلى هذا يكون قولهم:
﴿ما أنت إلا بشر مثلنا﴾ تأكيداً له، قيل المسحور: هو المخلوق بلغة بجيلة أي: فما وجه خصوصيتك عنا بالرسالة ﴿فأت بآية﴾ أي: علامة تدل على صدقك ﴿إن كنت من الصادقين﴾ أي: الراسخين في الصدق فقال لهم صالح: ما تريدون قالوا نريد ناقة عشراء تخرج من هذه الصخرة فتلد سقباً فأخذ صالح يتفكر فقال له جبريل صلّ ركعتين وسل ربك الناقة ففعل فخرجت الناقة وبركت بين أيديهم ونتجت سقباً مثلها في العظم، وعن أبي موسى رأيت مصدرها فإذا هو ستون ذراعاً فلما رآها.