أجيب: بأنّ كل قصة منها كتنزيل برأسه وفيها من الاعتبار مثل ما في غيرها، فكانت كل واحدة منها تدلي بحق على أن تفتتح بما افتتحت به صاحبتها وأن تختم بما ختمت به، ولأنّ في التكرير تقريراً للمعاني في الأنفس وتثبيتاً لها في الصدور، ألا ترى أنه لا طريق إلى تحفظ العلوم إلا بترديد ما يراد حفظه منها، وكلما زاد ترديده كان أمكن في القلب وأرسخ في الفهم وأثبت للذكر وأبعد من النسيان، ولأنّ هذه القصص طرقت بها آذان وقرعن الإنصات للحق وقلوب غلف عن تدبره فكوثرت بالوعظ والتذكير وروجعت بالترديد والتكرير لعل ذلك يفتح أذناً أو يشق ذهناً أو يصقل عقلاً طال عهده بالصقل، أو يجلو فهماً قد غطى عليه تراكم الصدا وفي ذلك دلالة على أنّ البعثة مقصورة على الدعاء إلى معرفة الحق والطاعة فيما يقرّب المدعو إلى ثوابه ويبعده عن عقابه، وأنّ الأنبياء متفقون على ذلك وإن اختلفوا في بعض التفاريع، مبرؤون عن المطامع الدينية والأغراض الدنيوية، ولما ذكر الله تعالى قصص الأنبياء عليهم السلام أتبعه بما يدلّ على نبوّته ﷺ بقوله تعالى.
﴿وإنه﴾ أي: الذكر الذي أتاهم بهذه الأخبار وهم عنه معرضون وله تاركون ﴿لتنزيل رب العالمين﴾ أي: الذي ربّاهم بشمول علمه وعظيم قدرته بما يعجز عن أقل شيء منه غيره.
﴿نزل به﴾ أي: نجوماً على سبيل التدريج من الأفق الأعلى الذي هو محل البركات، وعبر عن جبريل عليه السلام بقوله ﴿الروح﴾ دلالة على أنه مادّة خير، وأنّ الأرواح تحيا بما ينزله من الهدى وقال تعالى ﴿الأمين﴾ إشارة إلى كونه عليه السلام معصوماً من كل دنس فلا يمكن منه خيانة.
﴿على قلبك﴾ يا أشرف الرسل ففي هذا تقرير لحقية تلك القصص.
(٧/٦٩)
---


الصفحة التالية
Icon