فإن قيل: ما معنى التعقيب في فيأتيهم بغتة فيقولوا؟ أجيب: بأنه ليس المعنى ترادف رؤية العذاب ومفاجأته وسؤال النظرة في الوجود، وإنما المعنى ترتبها في الشدّة، كأنه قيل: لا يؤمنون بالقرآن حتى يكون رؤيتهم للعذاب عما هو أشدّ منها وهو لحوقه بهم مفاجأة عما هو أشدّ منه وهو سؤالهم النظرة، مثال ذلك: أن تقول لمن تعظه: إن أسأت مقتك الصالحون فمقتك الله، فإنه لا يقصد بهذا الترتيب أن مقت الله يوجد عقب مقت الصالحين وإنما قصدك إلى ترتيب شدّة الأمر على المسيء، فإنه يحصل له بسبب الإساءة مقت الصالحين عما هو أشدّ من مقتهم وهو مقت الله، ونرى ثم تقع في هذا الأسلوب فيجمل موقعها، ولما أوعدهم النبيّ ﷺ بالعذاب قالوا إلى متى توعدنا بالعذاب ومتى هذا العذاب قال الله تعالى:
﴿أفبعذابنا﴾ أي: وقد تبين لهم كيف أخذه للأمم الماضية والقرون الخالية والأقوام العاتية ﴿يستعجلون﴾ أي: بقولهم: أمطر علينا حجارة أسقط علينا كسفاً من السماء ونحو ذلك.
﴿أفرأيت﴾ أي: هب أنّ الأمر كما يعتقدون من طول عيشهم في النعيم فأخبرني ﴿إن متعناهم﴾ أي: في الدنيا برغد العيش وصافي الحياة ﴿سنين﴾.
﴿ثم جاءهم﴾ أي بعد تلك السنين المتطاولة والدهور المتواصلة ﴿ما كانوا يودعون﴾من العذاب.
(٧/٧٤)
---
﴿ما﴾ أي: أيّ شيء ﴿أغنى عنهم﴾ أي: فيما أخذهم من العذاب ﴿ما كانوا يمتعون﴾ برفع العذاب أو تخفيفه، أي: لم يغن عنهم طول التمتع شيئاً ويكون كأنهم لم يكونوا في نعيم قط، وعن ميمون بن مهران: أنه لقي الحسن في الطواف وكان يتمنى لقاءه فقال له عظني فلم يزد على تلاوة هذه الآية، فقال له ميمون لقد وعظت فأبلغت.
(٧/٧٥)
---
﴿وما أهلكنا من قرية﴾ أي: من القرى السالفة بعذاب الاستئصال ﴿إلا لها منذرون﴾ أي: رسولهم ومن تبعه من أمّته ومن سمعوا من الرسل بأخبارهم مع أممهم من قبلهم، ثم علل الإنذار بقوله تعالى: