﴿واخفض جناحك﴾ أي: لمن غاية اللين وذلك لأنّ الطائر إذا أراد أن يرتفع رفع جناحيه، وإذا أراد أن ينحط كسرهما وخفضهما فجعل ذلك مثلاً في التواضع، ومنه قول بعضهم:
*وأنت الشهير بخفض الجناح ** فلأنك في رفعه أجدلا*
ينهاه عن التكبر بعد التواضع ﴿لمن اتبعك من المؤمنين﴾ أي: سواء كانوا من الأقربين أم من الأبعدين، فإن قيل: المتبعون للرسول هم المؤمنون؟.
أجيب: بوجهين: أحدهما: أن تسميتهم قبل الدخول في الإيمان مؤمنين لمشارفتهم ذلك، الثاني: أن يريد بالمؤمنين المصدّقين بألسنتهم وهم صنفان صنف: صدّق واتبع رسول الله ﷺ فيما جاء به، وصنف: ما وجد منه إلا التصديق فقط، أما أن يكونوا منافقين أو فاسقين والفاسق والمنافق لا يخفض لهما الجناح فمن على هذا للتبعيض، وإن أريد عموم الإتباع فهي للتبيين واختلف في الواو في قوله تعالى:
﴿فإن عصوك﴾ على أوجه: أحدها: أنها ضمير الكفار، أي: فإن عصاك الكفار في أمرك لهم بالتوحيد، الثاني: أنها ضمير العشيرة، وهذا أقرب كما جرى عليه السلف والجلال المحلي، الثالث: أنها ضمير المؤمنين أي: فإن عصاك المؤمنون في فروع الإسلام وبعض الأحكام بعد تصديقك والإيمان برسالتك، وهذا كما قال ابن عادل: في غاية البعد ﴿فقل﴾ أي: تاركاً لما كنت تعاملهم من اللين ﴿إني بريء﴾ أي: منفصل غاية الانفصال ﴿مما تعملون﴾ أي: من العصيان الذي أنذر منه القرآن.
﴿وتوكل﴾ أي: فوّض في عصمتك ونجاتك وجميع أمورك ﴿على العزيز﴾ أي: القادر على الدفع عنك والانتقام منهم ﴿الرحيم﴾ أي: الذي نصرك عليهم برحمته، وقرأ نافع وابن عامر فتوكل بالفاء على الإبدال من جواب الشرط، والباقون بالواو، ثم أتبع الأمر بالتوكل الوصف المقتضى لجميع أوصاف الكمال بقوله تعالى:
﴿الذي يراك﴾ أي: بصراً وعلماً ﴿حين تقوم﴾ من نومك إلى التهجد، وقال مجاهد: أي: يراك أينما كنت، وقال أكثر المفسرين كما قال البغويّ حين تقوم إلى الصلاة أي: من نوم أو غيره.