﴿إذ قال موسى﴾ أي: اذكر قصته حين قال ﴿لأهله﴾ أي: زوجته بنت شعيب عليه السلام عند مسيره من مدين إلى مصر وهي القصة الأولى من قصص هذه السورة، قال الزمخشريّ: روي أنه لم يكن مع موسى عليه السلام غير امرأته، وقد كنى الله تعالى عنها بالأهل فتبع ذلك ورود الخطاب على لفظ الجمع وهو قوله: امكثوا، وكانا يسيران ليلاً وقد اشتبه الطريق عليهما والوقت وقت برد، وفي مثل هذا الحال يقوى الناس بمشاهدة نار من بعد، لما يرجى فيها من زوال الحيرة وأمن الطريق ومن الانتفاع بالنار للإصطلاء، فلذلك بشرها فقال: ﴿إني آنست﴾ أي: أبصرت إبصار حصل لي به الأنس وأزال عني الوحشة ﴿ناراً سآتيكم منها بخبر﴾ أي: عن حال الطريق وكان قد أضلها، وعبر بلفظ الجمع كما في قوله: ﴿امكثوا﴾ فإن قيل: كيف جاء بسين التسويف؟ أجيب: بأنّ ذلك عدة لأهله أنه يأتيهم به وإن أبطأ الإتيان أو كانت المسافة بعيدة، فإن قيل: قال هنا ﴿سآتيكم منها بخبر﴾ وفي السورة الآتية: ﴿لعلي آتيكم منها بخبر﴾ (القصص: ٢٩)
وهما كالمتدافعين لأنّ أحدهما ترج والآخر تيقن؟ أجيب: بأنّ الراجي قد يقول إذا قوي رجاؤه سأفعل كذا وسيكون كذا مع تجويزه الحقيقة.
(٧/٩٠)
---
﴿أو آتيكم بشهاب قبس﴾ أي: شعلة نار في رأس فتيلة أو عود، قال البغويّ: وليس في الطرف الآخر نار، وقال بعضهم الشهاب شيء ذو نور مثل العمود والعرب تسمى كل شيء أبيض ذي نور شهاباً، والقبس: القطعة من النار، وقرأ الكوفيون بشهابٍ بالتنوين على أنّ القبس بدل منه أو وصف له لأنه بمعنى المقبوس، والباقون بإضافة الشهاب إليه لأنه يكون قبساً وغير قبس فهو من إضافة النوع إلى جنسه، نحو ثوب خز إذ الشهاب شعلة من النار والقبس قطعة منها يكون في عود أو غيره كما مرّ.