﴿وليحملنّ﴾ أي: الكفرة ﴿أثقالهم﴾ أي: أثقال ما اقترفته أنفسهم ﴿وأثقالاً مع أثقالهم﴾ أي: أثقالاً بقولهم للمؤمنين: اتبعوا سبيلنا وبإضلالهم مقلديهم فكيف الجمع بينهما؟ أجيب: بأن قول القائل حمل فلان عن فلان يريد أن حمل فلان خف فإن لم يخف حمله فلا يكون قد حمل منه شيئاً فقوله تعالى: ﴿وما هم بحاملين من خطاياهم ﴾ يعني: لا يرفعون عنهم خطيئة بل يحملون أوزار أنفسهم وأوزاراً بسبب إضلالهم كقوله ﷺ «من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من وزره شيء» وقال تعالى في آية أخرى: ﴿ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم﴾ (النحل، ٢٥) من غير أن ينقص من أوزار من تبعهم شيء ﴿وليسئلن يوم القيامة﴾ أي: سؤال توبيخ وتقريع ﴿عما كانوا يفترون﴾ أي: يختلقون من الأكاذيب والأباطيل، واللام في الفعلين لام قسم وحذف فاعلهما الواو ونون الرفع، ولما كان السياق للبلاء والامتحان والصبر على الهوان ذكر من الرسل الكرام عليهم السلام من طال صبره على البلاء ولم يفتر عزمه عن نصيحة العباد بقوله تعالى:
﴿ولقد أرسلنا نوحاً﴾ أي: أوّل رسل الله إلى المخالفين من العباد وهو معنى ﴿إلى قومه﴾ وعمره أربعون سنة فإنّ الكفر كان قد عمّ أهل الأرض وكان عليه السلام أطول الأنبياء ابتلاء بهم، ولذلك قال الله تعالى مسبباً عن ذلك ومتعقباً: ﴿فلبث فيهم﴾ أي: بعد الرسالة ﴿ألف سنة إلا خمسين عاماً﴾ يدعوهم إلى توحيد الله تعالى فكذبوه ﴿فأخذهم الطوفان﴾ أي: الماء الكثير فغرقوا ﴿وهم ظالمون﴾ قال ابن عباس مشركون، وفي ذلك تسلية للنبيّ ﷺ ولتابعيه رضي الله تعالى عنهم وتثبيت لهم وتهديد لقريش، قال ابن عباس: كان عمر نوح عليه السلام ألفاً وخمسين سنة بعث على رأس أربعين سنة ولبث في قومه تسعمائة وخمسين سنة وعاش بعد الطوفان ستين سنة حتى كثر الناس وفشوا.
(٧/٢٨٦)
---