﴿يعذب﴾ أي: بعدله ﴿من يشاء﴾ تعذيبه أي: منكم ومن غيركم في الدنيا والآخرة ﴿ويرحم﴾ أي: بفضله ورحمته ﴿من يشاء﴾ رحمته فلا يمسه سوء، فإن قيل: لم قدم التعذيب في الذكر على الرحمة مع أنّ رحمته سابقة كما قال ﷺ عن الله تعالى: «سبقت رحمتي غضبي»؟ أجيب: بأنّ السابق ذكر الكفار فذكر العذاب لسبق ذكر مستحقه بحكم الإيعاد وعقبه بالرحمة، فذكر الرحمة وقع تبعاً لئلا يكون العذاب مذكوراً وحده وهذا تحقيق قوله: «رحمتي سبقت غضبي» ﴿وإليه﴾ وحده ﴿تقلبون﴾ أي: تردون بعد موتكم بأيسر سعي.
﴿وما أنتم بمعجزين﴾ ربكم عن إدراككم ﴿في الأرض﴾ كيف انقلبتم في ظاهرها وباطنها واختلف في معنى قوله تعالى: ﴿ولا في السماء﴾ لأنّ الخطاب مع الآدميين وهم ليسوا في السماء فقال الفراء معناه: ولا مَنْ في السماء بمعجز إن عصى كقول حسان بن ثابت رضى الله تعالى عنه:
*فمن يهجو رسول الله منكم ** ويمدحه وينصره سواء*
أراد ومن يمدحه وينصره فأضمر (من) يريد أنه لا يعجز أهل الأرض من في الأرض ولا أهل السماء من في السماء فالمعنى أنّ من في السماء عطف بتقدير إن يعصى وقال الفراء: وهذا من غوامض العربية، وقال قُطْرب: وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء لو كنتم فيها كقول القائل: ما يفوتني فلان هنا ولا في البصرة أي: ولا في البصرة لو كان بها وكقوله تعالى: ﴿إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض﴾ (الرحمن: ٣٣)
أي: على تقدير إن تكونوا فيها.
(٧/٢٩٥)
---