﴿وإن الدار الآخرة لهي﴾ أي: خاصة ﴿الحيوان﴾ أي: الحياة التامّة الباقية، فإن قيل ما الحكمة في قوله تعالى هناك ﴿ولدار الآخرة خير﴾ وقال ههنا: ﴿وإنّ الدار الآخرة لهي الحيوان﴾؟ أجيب: بأنه لما كان الحاصل هناك حال إظهار الحسرة ما كان المكلف يحتاج إلى وازع قوي فقال: الآخرة خير، ولما كان الحال هنا حال الاشتغال بالدنيا احتاج إلى وازع قوي فقال لا حياة إلا حياة الآخرة، والحيوان مصدر حيي وقياسه حييان فقلبت الياء الثانية واواً وبه سمي ما فيه حياة حيواناً وهو أبلغ من الحياة لما في بناء فعلان من الحركة والاضطراب اللازم للحياة ولذلك اختير عليها ههنا، ولما كانوا قد غلطوا في الدارين كليهما فنزلوا كل واحدة منهما غير منزلتها فعدوا الدنيا وجوداً دائماً على هذه الحالة وعدوا الآخرة عدماً لا وجود لها بوجه قال تعالى: ﴿لو كانوا يعلمون﴾ أي: لم يؤثروا عليها الدنيا التي أصلها عدم الحياة والحياة فيها عارضة سريعة الزوال، فإن قيل: ما الحكمة في قوله تعالى في الأنعام: ﴿أفلا يعقلون﴾ وقال ههنا: ﴿لو كانوا يعلمون﴾؟ أجيب: بأن المثبت هناك كون الآخرة خيراً ولأنه ظاهر لا يتوقف إلا على العقل والمثبت هنا أن لا حياة إلا حياة الآخرة وهذا دقيق لا يعرف إلا بعلم نافع.
﴿فإذا﴾ أي: فتسبب عن عدم عقلهم المستلزم لعدم علمهم إنهم إذا ﴿ركبوا﴾ البحر ﴿في الفلك﴾ أي: السفن ﴿دعوا الله﴾ أي: الملك الأعلى ﴿مخلصين﴾ بالتوحيد ﴿له الدين﴾ معرضين عن الشركاء بالقلب واللسان حيث لا يذكرون إلا الله ولا يدعون سواه لعلمهم بأنه لا يكشف الشدائد إلا هو ﴿فلما نجاهم﴾ أي: الله سبحانه وتعالى موصلاً لهم ﴿إلى البرّ إذا هم﴾ أي: حين الوصول إلى البرّ ﴿يشركون﴾ كما كانوا فهذا إخبار عنهم بأنهم عند الشدائد مقرون أن القادر على كشفها هو الله عز وجل وحده فإذا زالت عادوا إلى كفرهم.
(٧/٣٤٤)
---