﴿ومن آياته﴾ أي: الدالة على ذلك ﴿خلق السموات﴾ على علوها وإحكامها ﴿والأرض﴾ على اتساعها وإتقانها، وقدّم السماء على الأرض لأنّ السماء كالذكر لها، ولما أشار إلى دلائل الأنفس والآفاق ذكر ما هو من صفات الأنفس بقوله تعالى: ﴿واختلاف ألسنتكم﴾ أي: لغاتكم من العربية والعجمية وغيرهما، ونغماتكم وهيآتها، فلا تكاد تسمع منطقين متفقين في همس ولا جهارة ولا شدّة ولا رخاوة ولا لكنة ولا فصاحة ولا غير ذلك من صفات النطق وأشكاله وأنتم من نفس واحدة ﴿و﴾ اختلاف ﴿ألوانكم﴾ من أبيض وأسود وأشقر وأسمر وغير ذلك من اختلاف الألوان وأنتم بنو رجل واحد وهو آدم عليه السلام، والحكمة في ذلك: أنّ الإنسان يحتاج إلى التمييز بين الأشخاص ليعرف صاحب الحق من غيره والعدو من الصديق ليحترز قبل وصول العدو إليه، وليقبل على الصديق قبل أن يفوته الإقبال عليه، وذلك قد يكون بالبصر فخلق اختلاف الصور، وقد يكون بالسمع فخلق اختلاف الأصوات، وأما اللمس والشم والذوق فلا يفيد فائدة في معرفة العدو والصديق فلا يقع التمييز بين كل واحد بشكله وحليته وصورته، ولو اتفقت الصور والأصوات وتشاكلت وكانت ضرباً واحداً لوقع التجاهل والالتباس ولتعطلت مصالح كثيرة وربما رأيت توأمين يشتبهان في الحلية فيروك الخطأ في التمييز بينهما، فسبحان من خلق الخلق على ما أراد وكيف أراد، وفي ذلك آية بينة حيث ولدوا من أب واحد وتفرعوا من أصل فذ وهم على الكثرة التي لا يعلمها إلا الله تعالى مختلفون متفاوتون، ولما كان هذا مع كونه في غاية الوضوح لا يختص بجنس من الخلق دون غيره قال ﴿إن في ذلك﴾ أي: الأمر العظيم العالي الرتبة في بيانه وظهور برهانه ﴿لآيات﴾ أي: دلالات واضحات جداً على وحدانيته تعالى ﴿للعالمين﴾ أي: ذوي العقول والعلم لا يختص به صنف منهم دون صنف من جنّ ولا أنس ولا غيرهم، فهذا هو حكمة قوله تعالى هنا للعالمين وفيما تقدّم بقوله تعالى: ﴿لقوم يتفكرون﴾، (يونس: ٢٤)
(٧/٣٦٥)
---