﴿بل اتبع الذين ظلموا﴾ أي: أشركوا فإنهم وضعوا الشيء في غير موضعه.
فعل الماشي في الظلام ﴿أهواءهم﴾ وهي ما تميل إليه نفوسهم ﴿بغير علم﴾ أي: جاهلين لا يكفهم، شيء فإن العالم إذا اتبع هواه ربما ردعه علمه، ثم بين تعالى أنّ ذلك بإرادته بقوله تعالى: ﴿فمن يهدي من أضل الله﴾ أي: الذي له الأمر كله أي: لا يقدر أحد على هدايته ﴿وما لهم من ناصرين﴾ أي: مانعين يمنعونهم من عذاب الله لا من الأصنام ولا من غيرها، ولما تحرّرت الأدلة وانتصبت الأعلام أقبل تعالى على خلاصة خلقه إيذاناً بأنه لا يفهم ذلك حق فهمه غيره بقوله سبحانه.
﴿فأقم وجهك﴾ أي: قصدك كله ﴿للدين﴾ أي: أخلص دينك لله قاله سعيد بن جبير، وقال غيره: سدّد عملك، والوجه ما يتوجه إليه، وقيل: أقبل بكلك على الدين، عبر بالوجه عن الذات كقوله تعالى ﴿كل شيء هالك إلا وجهه﴾ (القصص: ٨٨)
أي: ذاته بصفاته. وقوله تعالى ﴿حنيفاً﴾ حال من فاعل أقم أو مفعوله أو من الدين، ومعنى حنيفاً أي: مائلاً إليه مستقيماً عليه ومل عن كل شيء لا يكون في قلبك شيء آخر، وهذا قريب من معنى قوله تعالى ﴿ولا تكوننّ من المشركين﴾ وقوله تعالى ﴿فطرت الله﴾ أي: خلقته منصوب على الإغراء أو المصدر بما دلّ عليه ما بعدها وهي بتاء مجرورة، وقف عليها ابن كثير وأبو عمرو والكسائي بالهاء، والباقون بالتاء، ثم أكد ذلك بقوله تعالى: ﴿التي فطر الناس﴾ قال ابن عباس: خلق الناس ﴿عليها﴾ وهو دينه وهو التوحيد. قال ﷺ «ما من مولود إلا وهو يولد على الفطرة وإنما أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه» فقوله على الفطرة على العهد الذي أخذه عليهم بقوله تعالى: ﴿ألست بربكم قالوا بلى﴾ (الأعراف: ١٧٢)
وكل مولود في العالم على ذلك الإقرار وهي الحنيفية التي وقعت الخلقة عليها، وإن عبد غيره قال الله تعالى ﴿ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولنّ الله﴾ (لقمان: ٢٥)
وقال ﴿ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى﴾ (الزمر: ٣)