﴿ليذيقهم بعض الذي عملوا﴾ كرماً وحلماً ويعفو عن كثير إمّا أصلاً ورأساً، وإمّا عن المعاجلة به، ويؤخره إلى وقت ما في الدنيا أو الآخرة، وقرأ قنبل بالنون بعد اللام، والباقون بالياء التحتية، ثم ثلث بالعلة الغائية بقوله تعالى: ﴿لعلهم يرجعون﴾ أي: عما هم عليه، ولما بين تعالى حالهم بظهور الفساد في أحوالهم بسبب فساد أقوالهم بين لهم ضلال أمثالهم وأشكالهم الذين كانت أفعالهم كأفعالهم بقوله تعالى: لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم
(٧/٣٨٨)
---
﴿قل﴾ أي: لهؤلاء الذين لا همّ لهم سوى الدنيا ﴿سيروا في الأرض﴾ فإنّ سيركم الماضي لكونه لم تصحبه عبرة عدمٌ ﴿فانظروا﴾ نظرَ اعتبار ﴿كيف كان عاقبة الذين من قبل﴾ أي: من قبل أيامكم لتروا منازلهم ومساكنهم خالية فتعلموا أنّ الله تعالى أذاقهم وبال أمرهم وأوقعهم في حفائر مكرهم ﴿كان أكثرهم مشركين﴾ أي: فلذلك أهلكناهم ولم تغن عنهم كثرتهم وأنجينا المؤمنين وما ضرّتهم قلتهم، ولما نهى الله تعالى الكفار عما هم عليه أمر المؤمنين بما هم عليه وخاطب النبيّ ﷺ ليعلم المؤمن فضيلة ما هو مكلف به فإنه أمر به أشرف الأنبياء بقوله تعالى:
﴿فأقم وجهك للدين القيم﴾ أي: المستقيم وهو دين الإسلام ﴿من قبل أن يأتي يوم﴾ أي: عظيم ﴿لا مردّ له﴾ أي: لا يقدر أن يرده أحد. وقوله تعالى ﴿من الله﴾ يجوز أن يتعلق بيأتي أو بمحذوف يدل عليه المصدر أي: لا يردّه من الله أحد. والمراد به يوم القيامة لا يقدر أحد على رده من الله، وغيره عاجز عن رده فلا بد من وقوعه ﴿يومئذ﴾ أي: إذ يأتي ﴿يصدّعون﴾ أي: يتفرقون فريق في الجنة وفريق في السعير، ثم أشار إلى التفرّق بقوله تعالى:
﴿من كفر﴾ أي: منهم ﴿فعليه كفره﴾ أي: وبال كفره ﴿ومن عمل صالحاً﴾ أي: بالإيمان وما يترتب عليه ﴿فلأنفسهم يمهدون﴾ أي: يوطئون منازلهم في القبور وفي الجنة بل وفي الدنيا فإن الله تعالى يعزهم بعز طاعته.


الصفحة التالية
Icon