﴿ولقد أرسلنا﴾ أي: بما لنا من القوة. وقال تعالى ﴿من قبلك رسلاً﴾ تنبيهاً على أنه خاتم النبيين بتخصيص إرسال غيره بما قبل زمانه وقال ﴿إلى قومهم﴾ إعلاماً بأنّ أمر الله إذا جاء لا ينفع فيه قريب ولا بعيد ﴿فجاؤهم بالبينات﴾ فانقسم قومهم إلى مسلمين ومجرمين ﴿فانتقمنا﴾ أي: فكانت معاداة المسلمين للمجرمين فينا سبباً؛ لأنا انتقمنا بما لنا من العظمة ﴿من الذين أجرموا﴾ أي: أهلكنا الذين كذبوهم لإجرامهم وهو قطع ما أمرناهم بوصله، ولما كان محط الفائدة إلزامه سبحانه لنفسه بما تفضل به قدمه تعجيلاً للسرور وتطييباً للنفوس فقال تعالى ﴿وكان﴾ أي: على سبيل الثبات والدوام ﴿حقاً علينا﴾ أي: مما أوجبناه بوعدنا الذي لا خلف فيه ﴿نصر المؤمنين﴾ أي: العريقين في ذلك الوصف في الدنيا والآخرة، ولم يزل هذا دأبنا في كل ملة على مدى الدهر فليعتدّ هؤلاء لمثل هذا وليأخذوا لمثل ذلك أهبة لينظروا من المغلوب وهل ينفعهم شيء، روى الترمذي وحسنه عن رسول الله ﷺ أنه قال: «ما من امرئ مسلم يردّ عن عرض أخيه إلا كان حقاً على الله أن يردّ عنه نار جهنم يوم القيامة ثم تلا قوله تعالى ﴿وكان حقاً علينا نصر المؤمنين﴾ قال البقاعي: فالآية من الاحتباك أي: وهو أن يؤتى بكلامين يحذف من كل منهما شيء يكون نظمهما بحيث يدل ما أثبت في كلٍ على ما حذف من الآخر، فحذف أوّلاً الإهلاك الذي هو أثر الخذلان لدلالة النصر عليه، وثانياً الإنعام لدلالة الانتقام عليه، ثم نبه تعالى على كمال قدرته فهو الناصر للمؤمنين بقوله تعالى:
(٧/٣٩٤)
---