﴿ولقد ضربنا﴾ أي: جعلنا ﴿للناس في هذا القرآن﴾ أي: في هذه السورة وغيرها ﴿من كل مثل﴾ أي: معنى غريب هو أوضح وأثبت من أعلام الجبال في عبارة هي أرشق من سائر الأمثال، فإن طلبوا شيئاً آخر غير ذلك فهو عناد محض؛ لأنّ من كذب دليلاً حقاً لا يصعب عليه تكذيب الدلائل بل لا يجوز للمستدل أن يشرع في دليل آخر بعد ذكره دليلاً جيداً مستقيماً ظاهراً لا إشكال عليه وعانده الخصم وهذا من العالم فكيف بالنبيّ صلى الله عليه وسلم
فإن قيل: الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ذكروا أنواعاً من الدلائل؟ أجيب: بأنهم سردوها سرداً ثم قرروا فرداً فرداً كمن يقول: الدليل عليه من وجوه الأوّل: كذا، والثاني: كذا، والثالث: كذا، وفي مثل هذا عدم الالتفات إلى عناد المعاند؛ لأنه يريد تضييع الوقت كي لا يتمكن المستدل من الإتيان بجميع ما وعد من الدليل فتنحط درجته، وإلى هذا أشار بقوله تعالى: ﴿ولئن﴾ اللام لام قسم ﴿جئتهم﴾ يا أفضل الخلق ﴿بآية﴾ مثل العصا واليد لموسى عليه السلام ﴿ليقولنّ الذين كفروا﴾ منهم ﴿إن﴾ أي: ما ﴿أنتم إلا مبطلون﴾ أي: أصحاب أباطيل، فإن قيل: لم وحد في قوله تعالى ﴿جئتهم﴾ وجمع في قوله تعالى ﴿إن أنتم﴾؟ أجيب: بأنّ ذلك لنكتة وهي أنه تعالى أخبر في موضع آخر فقال: ﴿ولئن جئتهم بكل آية﴾ أي: جاءت بها الرسل فقال الكفار: ما أنتم أيها المدّعون الرسالة كلكم إلا كذا. وقال الجلال المحلي: إن أنتم أي: محمد وأصحابه، وأمّا الذين آمنوا فيقولون نحن بهذه الآية مؤمنون.
﴿كذلك﴾ أي: مثل هذا الطبع العظيم ﴿يطبع الله﴾ أي: الذي له العظمة والكمال ﴿على قلوب الذين لا يعلمون﴾ توحيد الله، فإن قيل: من لا يعلم شيئاً أي: فائدة في الإخبار عن الطبع على قلبه؟ أجيب: بأنّ معناه أنّ من لا يعلم الآن فقد طبع على قلبه من قبل. ثم إنه تعالى سلّى نبيه ﷺ بقوله تعالى:
(٧/٤٠٤)
---


الصفحة التالية
Icon