﴿الذين يقيمون الصلاة﴾ أي: يجعلونها كأنها قائمة بسبب إتقان جميع ما أمر به فيها وندب إليه، ودخل فيها الحج لأنه لا يعظم البيت في كل يوم خمس مرّات إلا معظم له بالحج فعلاً أو قوّة ﴿ويؤتون الزكاة﴾ أي: كلها فدخل فيها الصوم؛ لأنه لا يؤّدي زكاة الفطر إلا من صامه فعلاً أو قوّة. ولما كان الإيمان أساس هذه الأركان وكان الإيمان بالبعث جامعاً لجميع أنواعه وحاملاً على سائر وجوه الإحسان قال تعالى ﴿وهم بالآخرة﴾ أي: التي تقدّم أنّ المجرمين عنها غافلون ﴿هم يوقنون﴾ أي: يؤمنون بها إيمان موقن فهو لا يفعل شيئاً ينافي الإيمان، ولا يغفل عنه طرفة عين، فهو في الذورة العليا من ذلك فهو يعبد الله تعالى كأنه يراه، فآية البقرة بداية وهذه نهاية، ولما كانت هذه الخلال أمهات الأفعال الموجبة للكمال وكانت مساوية من وجه لآية البقرة ختمها بختامها بعد أن زمها بزمامها فقال.
﴿أولئك﴾ أي: العالو الرتبة الحائزون من منازل القرب أعظم رتبة ﴿على هدى﴾ أي: متمكنون منه تمكن المستعلي على الشيء، وقال ﴿من ربهم﴾ تذكيراً لهم بأنه لولا إحسانه لما وصلوا إلى شيء ليلزموا تمريغ الجباه على الأعتاب خوفاً من الإعجاب ﴿وأولئك هم المفلحون﴾ أي: الظافرون بكل مراد، لما بين سبحانه وتعالى حال من تحلى بهذا الحال فترقى إلى حلية أهل الكمال بين حال أضدادهم بقوله تعالى:
(٧/٤٠٨)
---