وقال مقاتل: اخفض من صوتك، فإن قيل: لم ذكر المانع من رفع الصوت ولم يذكر المانع من سرعة المشي؟ أجيب: بأن رفع الصوت يؤذي السامع ويقرع الصماخ بقوته وربما يخرق الغشاء الذي داخل الأذن، وأما سرعة المشي فلا تؤذي وإن آذت فلا تؤذي غير من في طريقه، والصوت يبلغ من على اليمين واليسار ولأنّ المشي يؤذي آلة المشي، والصوت يؤذي آلة السمع وآلة السمع على باب القلب فإنّ الكلام ينتقل من السمع إلى القلب، ولا كذلك المشي. وأيضاً فلأن قبح القول أقبح من قبح الفعل وحسنه أحسن، لأنّ اللسان ترجمان القلب، ولما كان رفع الصوت فوق الحاجة منكر كما أن خفضه دونها تماوت وتكبر وكان قد أشار إلى النهي عن هذا بمن فأفهم أنّ الطرفين مذمومان علل النهي عن الأوّل بقوله ﴿إن أنكر﴾ أي: أفظع وأبشع وأوحش ﴿الأصوات﴾ كلها المشتركة في المكاره برفعها فوق الحاجة، وأخلى الكلام من لفظ التشبيه، وأخرجه مخرج الاستعارة تصوير الصوت الرافع صوته فوق الحاجة بصورة النهاق وجعل المصوت كذلك حماراً مبالغة في التهجين وتنبيهاً على أنه من الكراهة بمكان فقال ﴿لصوت الحمير﴾ أي: هذا الجنس لما له من العلو المفرط من غير حاجة فإنّ كل حيوان قد يفهم من صوته أنه يصيح من ثقل أو تعب كالبعير أو لغير ذلك، والحمار لو مات تحت الحمل لا يصيح ولو قتل لا يصيح وفي بعض أوقات عدم الحاجة يصيح وينهق بصوت أوّله زفير وآخره شهيق وهما فعل أهل النار، وأفرد الصوت ليكون نصاً على إرادة الجنس لئلا يظن أنّ الاجتماع شرط في ذلك، ولذكر الحمار مع ذلك من بلاغة الشتم والذم ما ليس لغيره ولذلك يستهجن التصريح باسمه بل يكنون عنه ويرغبون عن التصريح به فيقولون الطويل الأذنين كما يكنى عن الأشياء المستقذرة وقد عد في مساوئ الأداب أن يجري ذكر الحمار في مجلس قوم من ذوي المروءة من العرب من لا يركب الحمار استنكافاً، وإن بلغت منه الرحلة، وإنما ركبه ﷺ لمخالفته عادتهم وإظهاره التواضع من