﴿ومن كفر﴾ أي: ستر ما أداه إليه عقله من أن الله تعالى لا شريك له وأن لا قدرة أصلاً لأحدٍ سواه ولم يسلم وجهه إليه ﴿فلا يحزنك﴾ أي: يهمك ويوجعك ﴿كفره﴾ كائناً من كان، فإنه لم يفتك شيء فيه ولا معجز لنا ليحزنك ولا تبعة عليك بسببه في الدنيا وفي الآخرة، وأفرد الضمير في كفره اعتباراً بلفظ من لإرادة التنصيص على كل فرد، وفي التعبير هنا بالماضي وفي الأوّل بالمضارع بشارة بدخول كثير في هذا الدين وأنهم لا يرتدون بعد إسلامهم، وترغيب في الإسلام لكل من كان خارجاً عنه فالآية من الاحتباك، ذكر الحزن ثانياً دليلاً على حذف ضدّه أوّلاً، وذكر الاستمساك أوّلاً دليلاً على حذف ضدّه ثانياً ﴿إلينا﴾ أي: في الدارين ﴿مرجعهم فننبئهم﴾ أي: بسبب إحاطتنا بأمرهم وعقب رجوعهم ﴿بما عملوا﴾ أي: ونجازيهم عليه إن أردنا ﴿إن الله﴾ أي: الذي لا كفء له ﴿عليم﴾ أي: محيط العلم بما له من الإحاطة بأوصاف الكمال ﴿بذات الصدور﴾ أي: لا يخفى عليه سرّهم وعلانيتهم فينبئهم بما أسرّت صدورهم.
﴿نمتعهم﴾ أي: نمهلهم ليتمتعوا بنعيم الدنيا ﴿قليلاً﴾ أي: إلى انقضاء آجالهم فإن كل آت قريب، وإن ما يزول بالنسبة إلى ما يدوم قليل ﴿ثم نضطرّهم﴾ أي: نلجئهم ونردّهم في الآخرة ﴿إلى عذاب غليظ﴾ أي: شديد ثقيل لا ينقطع عنهم أصلاً ولا يجدون لهم منه محيصاً من جهة من جهاته فكأنه في شدّته وثقله جرم عظيم غليظ جدّاً إذا ترك على شيء لا يقدر على الخلاص منه، ثم إنه تعالى لما سلى قلب النبيّ ﷺ بقوله تعالى: ﴿فلا يحزنك كفره﴾ أي: لا تحزن على تكذيبهم فإن صدقك وكذبهم يتبين عن قريب وهو رجوعهم إلينا على أنه لا يتأخر إلى ذلك اليوم بل يتبين قبل يوم القيامة كما قال تعالى:
(٧/٤٤١)
---