﴿ألم تر﴾ وفي المخاطب بذلك ما تقدّم ﴿أنّ الفلك﴾ أي: السفن كباراً وصغاراً ﴿تجري﴾ أي: بكم حاملة ما تعجزون عن نقل مثله في البرّ ﴿في البحر﴾ أي: على وجه الماء ﴿بنعمة الله﴾ أي: بإنعام الملك الأعلى المحيط علماً وقدرة المحسن إليكم بتعليم صفتها حتى تهيأت لذلك على يد أبيكم نوح العبد الشكور عليه السلام، وقيل: نعمة الله هنا هي الريح التي تتحرك بأمر الله ﴿ليريكم من آياته﴾ أي: عجائب قدرته ودلائله التي تدلكم على أنه الحق الذي أثبت بوجوب وجوده ما ترون من الأحمال الثقال على وجه الماء الذي ترسب فيه الإبرة فما دونها ﴿إن في ذلك﴾ أي: الأمر الهائل البديع الرفيع ﴿لآيات﴾ أي: دلالات واضحات على ماله من صفات الكمال ﴿لكل صبار﴾ على المشاق فيبعث نفسه في التفكير في عدم غرقه وفي مسيره إلى البلاد الشاسعة والأقطار البعيدة، وفي كون سيره ذهاباً وإياباً تارة بريحين، وتارة بريح واحدة. وفي إنجاء أبيه نوح عليه السلام ومن أراد الله تعالى من خلقه بها وإغراق غيرهم من جميع أهل الأرض، وفي غير ذلك من شؤونه وأموره ﴿شكور﴾ أي: مبالغ في كل من الصبر والشكر لأنهما الإيمان، كما ورد: الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر، وعلم من صيغة المبالغة في كل منهما أنه لا يعرف في الرخاء من عظمة الله ما كان يعرفه في الشدّة إلا من طبعهم الله تعالى على ذلك ووفقهم له وأعانهم عليه، ولهذا قال تعالى ﴿وقليل من عبادي الشكور﴾ (سبأ: ١٣)
وها أنا أسأل الله الحنان المنان من فضله أن يجعلني منهم ويفعل ذلك بأهلي وأحبابي فإنه كريم جواد، ولما ذكر تعالى أن في ذلك لآيات ذكر أنّ الكل معترفون غير أنّ البصير يدركه أوّلاً ومن في بصيرته ضعف لا يدركه أوّلاً كما قال تعالى:
(٧/٤٤٩)
---


الصفحة التالية
Icon