﴿لتنذر﴾ ويجوز أن يكون العامل في لتنذر غيره، أي: أنزله لتنذر ﴿قوماً﴾ أي: ذوي قوّة وجلد ومنعة ﴿ما أتاهم من نذير﴾ أي: رسول في هذه الأزمان القريبة لقول ابن عباس أنّ المراد الفترة، ويؤيده إثبات الجار في قوله تعالى ﴿من قبلك﴾ ولما ذكر تعالى علة الإنزال أتبعه علة الإنذار بقوله تعالى: ﴿لعلهم يهتدون﴾ أي: ليكون حالهم في مجاري العادات حال من تُرجى هدايته إلى كمال الشريعة، وأمّا التوحيد فلا عذر لأحد فيه مع إقامة الله تعالى من حجة العقل ومع ما أتقنه الرسل عليهم الصلاة والسلام آدم فمن بعده من أوضح النقل بآثار دعواتهم وبقايا دلالاتهم، ولذلك قال ﷺ لمن سأله عن أبيه: «أبي وأبوك في النار» وغير ذلك من الأدلة الدالة على أنّ من مات قبل دعوته على الشرك فهو في النار، لكن ذكر بعض العلماء أنّ من خصائصه ﷺ أنّ الله تعالى أحيا له أبويه وأسلما على يديه ولا بدع في ذلك، فإنّ الله تعالى أكرمه بأشياء لا تحصر، ولما ذكر تعالى: الرسالة وبين ما على الرسول من الدعاء إلى التوحيد وإقامة الدليل قال: ﴿الله﴾ أي: الحاوي لجميع صفات الكمال وحده ﴿الذي خلق السموات﴾ كلها ﴿والأرض﴾ بأسرها ﴿وما بينهما﴾ من المنافع العينية والمعنوية ﴿في ستة أيام﴾ كما يأتي تفصيله في فصلت إن شاء الله تعالى ﴿ثم استوى على العرش﴾ وهو في اللغة سرير الملك استواء يليق به تعالى لم تعهد، وأمثله وهو أنه تعالى أخذ في تدبيره وتدبير ما حواه بنفسه لا شريك له ولا نائب فيه ولا وزير كما تعهدون من ملوك الدنيا إذا امتنعت ممالكهم وتباعدت أطرافها وتناءت أقطارها ﴿ما لكم من دونه﴾ لأن كل ما سواه دونه وتحت قهره، ودل على عموم النفي بقوله تعالى: ﴿من ولي﴾ أي: يلي أموركم ويقوم بمصالحكم وينصركم إذا حل بكم شيء مما تنذرون به ﴿ولا شفيع﴾ يشفع عنده في تدبيركم أو في أحد منكم بغير إذن. ﴿أفلا تتذكرون﴾ هذا فتؤمنون.
(٧/٤٦١)
---


الصفحة التالية
Icon