يدل على أن الكرسي محيط بالكل. وقيل: مقدار ألف سنة وخمسين ألف سنة كلها في القيامة، ومعناه حينئذ: يدبر الأمر من السماء إلى الأرض مدة أيام الدنيا ثم يعرج أي: يرجع الأمر والتدبير إليه بعد فناء الدنيا في يوم كان مقداره ذلك، وذلك اليوم يتفاوت، فهو على الكافر كخمسين ألف سنة، وعلى المؤمن دون ذلك. بل جاء في الحديث أنه يكون على المؤمن كمثل صلاة مكتوبة صلاها في الدنيا.
وقيل: إن ذلك إشارة إلى امتداد نفاذ الأمر؛ وذلك لأن من نفد أمره غاية النفاذ في يوم أو يومين وانقطع لا يكون مثل من ينفذ أمره في سنين متطاولة، فقوله: ﴿في يوم كان مقداره ألف سنة﴾ يعني: يدبر الأمر في زمان يوم منه ألف سنة، فكم يكون شهر منه وكم يكون سنة منه وكم يكون دهر منه؟ وعلى هذا فلا فرق بين هذا وبين قوله: ﴿مقداره خمسين ألف سنة﴾ لأن ذلك إذا كان إشارة إلى دوام نفاذ الأمر فسواء يعبر بألف سنة أو بخمسين ألف سنة لا يتفاوت، إلا أن المبالغة بالخمسين أكثر، وسيأتي بيان فائدتها في موضعها إن شاء الله تعالى.
ولما تقرر هذا من عالم الأشباح والخلق، ثم عالم الأرواح والأمر بيّن أنه تعالى عالم بما كان وما يكون بقوله تعالى:
﴿ذلك﴾ أي: الإله الواحد القهار، ﴿عالم الغيب والشهادة﴾ أي: ما غاب عن الخلق، ومنه الذي تقدمت مفاتيحه وما حضر وظهر فيدبر أمرهما ﴿العزيز﴾ أي: الغالب على أمره ﴿الرحيم﴾ على العباد في تدبيره، وفيه إيماء بأنه تعالى يراعي المصالح تفضلاً وإحساناً.
ولما ذكر تعالى الدليل على الوحدانية من الآفاق بقوله تعالى: ﴿خلق السموات والأرض وما بينهما﴾ ذكر الدليل عليها من الأنفس بقوله تعالى:
﴿الذي أحسن كل شيء خلقه﴾ قال ابن عباس: أتقنه وأحكمه، فجميع المخلوقات حسنة وإن تفاوتت إلى حسن وأحسن كما قال تعالى: ﴿لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم﴾ (التين: ٤)
(٧/٤٦٥)
---