﴿ثم سواه﴾ قومه بتصوير أعضائه وإبداع المعاني على ما ينبغي ﴿ونفخ فيه﴾ أي: آدم ﴿من روحه﴾ أي: جعله حياً حساساً بعد أن كان جماداً، وإضافة الروح إلى الله تعالى إضافة تشريف كبيت الله، وناقة الله، فيا له من شرف ما أعلاه، ففيه إشعار بأنه خلق عجيب وإن له شأناً له مناسبة ما إلى الحضرة الربوبية، قال البيضاوي: ولأجله أي: ولأجل كون أن له شأناً إلى آخره. روي: من عرف نفسه فقد عرف ربه. هذا الحديث لا أصل له، وبتقدير أن له أصلاً ليس معناه ما ذكر بل معناه: من عرف نفسه وتأمل في حقيقتها عرف أن له صانعاً موجداً له، وإليه أشار بقوله تعالى: ﴿وفي أنفسكم أفلا تبصرون﴾ (الذاريات: ٢١)
ثم ذكر ما يترتب على نفخ الروح في الجسد مخاطباً للذرية بقوله تعالى: ﴿وجعل لكم﴾ بعد أن كنتم نطفاً أمواتاً ﴿السمع﴾ أي: لتدركوا به ما يقال لكم ﴿والأبصار﴾ أي: لتدركوا بها الأشياء على ما هي عليه ﴿والأفئدة﴾ أي: القلوب المودعة غرائز العقول.
فإن قيل: ما الحكمة في تقديم السمع على البصر والبصر على الأفئدة؟ أجيب بأن الإنسان يسمع أولاً كلاماً فينظر إلى قائله ليعرفه ثم يتفكر بقلبه في ذلك الكلام ليفهم معناه، فإن قيل: ما الحكمة في ذكره المصدر في السمع وفي البصر والفؤاد الاسم، ولهذا جمع الأبصار والأفئدة ولم يجمع السمع؛ لأن المصدر لا يجمع؟ أجيب: بأن السمع قوة واحدة ولها محل واحد وهو الأُذن ولا اختيار لها فيه، وإن الصوت من أي جانب كان واصل إليه ولا قدرة للأُذن على تخصيص السمع بإدراك البعض دون البعض، وأما البصر فمحله العين ولها فيه اختيار فإنها تتحرك إلى جانب المرئي دون غيره، وكذلك الفؤاد محله الإدراك وله نوع اختيار يلتفت إلى ما يريدون غيره.
(٧/٤٦٧)
---


الصفحة التالية
Icon