فيقومون وهم أكثر من الأولين ثم يلبث ما شاء الله أن يلبث ثم يعود فينادي المنادي: سيعلم أهل الجمع لمن العز اليوم والكرم، ليقم الحامدون على كل حال فيقومون وهم أكثر من الأولين، وأخرج ابن جرير عن ابن عباس ﴿تتجافى في جنوبهم عن المضاجع﴾ يقول: تتجافى لذكر الله إما في الصلاة وإما في قيام أو قعود أو على جنوبهم لا يزالون يذكرون الله.
ولما كان هجران المضجع قد يكون لغير العبادة بين أنه لها بقوله تعالى: مبيناً لحالهم ﴿يدعون﴾ أي: داعين ﴿ربهم﴾ الذي عوّدهم بإحسانه ثم علله بقوله تعالى: ﴿خوفاً﴾ أي: من سخطه وعقابه، فإن أسباب الخوف من نقائصهم كثيرة سواء أعرفوا سبباً يوجب خوفاً أو لا لأنهم لا يأمنون مكر الله لأنه يفعل ما يشاء ﴿وطمعاً﴾ في رضاه الموجب لثوابه، وقال ابن عباس: خوفاً من النار وطمعاً في الجنة وعبر به دون الرجاء إشارة إلى أنهم لشدة معرفتهم بنقائصهم لا يعدون أعمالهم شيئاً بل يطلبون فضله بغير سبب وإن كانوا مجتهدين في طاعته.
ولما كانت العبادة تقطع غالباً عن التوسع في الدنيا بما دعت نفس العابد إلى التمسك بما في يده خوفاً من نقص العبادة عند الحاجة، وصفهم الله تعالى بقوله تعالى: ﴿ومما رزقناهم﴾ أي: بعظمتنا لا بحول منهم ولا قوة ﴿ينفقون﴾ من غير إسراف ولا تقتير في جميع وجوه القرب التي شرعناها لهم فلا يبخلون بما عندهم اعتماداً على الخلاق الرزَّاق الذي ضمن الخلق فهم بما ضمن لهم أوثق منهم بما عندهم.
ولما ذكر تعالى جزاء المستكبرين ذكر جزاء المتواضعين بقوله عز من قائل:
﴿فلا تعلم نفس﴾ أي: من جميع النفوس مقربة ولا غيرها ﴿ما أُخفي﴾ أي: خبئ ﴿لهم﴾ أي: لهؤلاء المذكورين من مفاتيح الغيوب وخزائنها كما كانوا يخفون أعمالهم في الصلاة في جوف الليل وبالصدقة وبغير ذلك، وقرأ حمزة بسكون الياء والباقون بالفتح.
(٧/٤٧٧)
---