﴿وجعلنا منهم﴾ أي: من أنبيائهم وأحبارهم ﴿أئمة يهدون﴾ أي: يرفعون البيان ويعملون على حسبه ﴿بأمرنا﴾ أي: بما نزلنا فيه من الأوامر، كذلك جعلنا من أمتك صحابة يهدون، كما قال النبي ﷺ «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم» وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بتسهيل الهمزة قبل الميم، ولهم أيضاً إبدالها ياء، وحققها الباقون ومد هشام بين الهمزتين بخلاف عنه، وقوله تعالى ﴿لما صبروا﴾ قرأ حمزة والكسائي بكسر اللام وتخفيف الميم أي: بسبب صبرهم على دينهم وعلى البلاء من عدوهم ولأجله، وقرأ الباقون بفتح اللام وتشديد الميم أي: حين صبرهم على ذلك، وإن كان الصبر أيضاً إنما هو بتوفيق الله تعالى ﴿وكانوا بآياتنا﴾ الدالة على قدرتنا ووحدانيتنا لما لها من العظمة ﴿يوقنون﴾ أي: لا يرتابون في شيء منها ولا يعملون فعل الشاك فيها بالإعراض.
ولما أفهم قوله تعالى منهم أنه كان منهم من يضل عن أمر الله قال الله تعالى:
﴿إن ربك﴾ أي: المحسن إليك بإرسالك ليعظم ثوابك ﴿هو﴾ أي: وحده ﴿يفصل بينهم﴾ أي: بين الهادين والمهديين والضالين والمضلين ﴿يوم القيامة﴾ بالقضاء الحق ﴿فيما كانوا فيه يختلفون﴾ أي: من أمر الدين لا يخفي عليه شيء منه وأما غير ما اختلفوا فيه، فالحكم فيه لهم أو عليهم، وما اختلفوا فيه لا على وجه القصد فيقع في محل العفو.
ولما أعاد ذكر الرسالة أعاد ذكر التوحيد بقوله تعالى:
﴿أولم يهد﴾ أي: يبين كما رواه البخاري عن ابن عباس ﴿لهم كم أهلكنا﴾ أي: كثرة من أهلكنا ﴿من قبلهم من القرون﴾ الماضين من المعرضين عن الآيات، ونجينا من آمن بها. وقوله تعالى ﴿يمشون﴾ حال من ضمير لهم ﴿في مساكنهم﴾ أي: في أسفارهم إلى الشام وغيرها كمساكن عاد وثمود وقوم لوط فيعتبروا ﴿إن في ذلك﴾ أي: الأمر العظيم ﴿لآيات﴾ أي: دلالات على قدرتنا ﴿أفلا يسمعون﴾ سماع تدبر واتعاظ فيتعظوا بها.
(٧/٤٨٨)
---