﴿يا أيها النبي اتق الله﴾ وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن أهل مكة منهم الوليد بن المغيرة وشيبة بن ربيعة دعوا ﷺ إلى أن يرجع عن قوله على أن يعطوه شطر أموالهم، وخوّفه المنافقون من اليهود بالمدينة إن لم يرجع قتلوه فأنزل الله تعالى: ﴿يا أيها النبي اتق الله﴾ أي: دم على التقوى كما يقول الرجل لغيره وهو قائم: قم قائماً أي: اثبت قائماً فسقط بذلك ما يقال الأمر بالشيء لا يكون إلا عند اشتغال المأمور بغير المأمور به إذ لا يصح أن يقال للجالس: اجلس، وللساكت: اسكت، والنبي ﷺ كان متقياً لأن الأمر بالمداومة يصح في ذلك فيقال للجالس: اجلس هنا حتى آتيك، ويقال للساكت: قد أحسنت فاسكت تسلم أي: دم على ما أنت عليه.
وأيضاً من جهة العقل: أن الملك يتقي منه عادة على ثلاثة أوجه: بعضهم يخاف من عقابه، وبعضهم يخاف من قطع ثوابه، وثالث يخاف من احتجابه، فالنبي ﷺ لم يؤمر بالتقوى بالأول ولا بالثاني، وأما الثالث فالمخلص لا يأمنه ما دام في الدنيا، فكيف والأمور البدنية شاغلة، فالآدمي في الدنيا تارة مع الله والأخرى مقبل على مالا بد منه وإن كان معه الله، ولهذا أشار بقوله عليه الصلاة والسلام ﴿إنما أن بشر مثلكم يوحى إلي﴾ (الكهف: ١١٠)
يعني برفع الحجاب عني وقت الوحي ثم أعود إليكم كأني منكم، فأمر بتقوى توجب إدامة الحضور، وقال الضحاك: معناه اتق الله ولا تنقض الذي بينك وبينهم، وقيل: الخطاب مع النبي ﷺ والمراد الأمة.
تنبيه: جعل الله تعالى نداء نبيه ﷺ بالنبي والرسول في قوله تعالى ﴿يا أيها النبي اتق الله﴾ ﴿يا أيها النبي لم تحرم﴾ (التحريم: ١)
﴿يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك﴾ (المائدة: ٦٧)
(٧/٤٩٣)
---