وروي أن رجلاً كان يسمى أبا معمر جميل بن معمر الفهري وكان رجلاً لبيباً حافظاً لما يسمع، فقالت قريش: ما حفظ أبو معمر هذه الأشياء إلا وله قلبان، وكان يقول: لي قلبان أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد، فلما هزم الله تعالى المشركين يوم بدر انهزم أبو معمر فيهم فلقيه أبو سفيان وهو معلق إحدى نعليه بيده والأخرى في رجله فقال له: ما فعل الناس فقال له: بين مقتول وهارب فقال له: فما بالك إحدى نعليك في رجلك والأخرى في يدك؟ فقال: ما ظننت إلا أنهما في رجلي فأكذب الله تعالى قوله»، وقولهم وضربه مثلاً في الظهار والتبني.
وعن ابن عباس: «كان المنافقون يقولون: لمحمد قلبان فأكذبهم الله تعالى» وقيل سها في صلاته فقالت اليهود: له قلبان قلب مع أصحابه وقلب معكم، وعن الحسن نزلت في أن الواحد يقول: لي نفسان نفس تأمرني ونفس تنهاني، فإن قيل: ما وجه تعدية الظهار وأخواته بمن؟ أجيب: بأن الظهار كان طلاقاً في الجاهلية فكانوا بتجنبون المرأة المظاهر منها كما يتجنبون المطلقة، فكان قولهم: تظاهر منها، تباعد منها جهة الظهار، فلما تضمن معنى التباعد منها عدي بمن.
فإن قيل: ما معنى قولهم: أنت علي كظهر أمي، أجيب: بأنهم أرادوا أن يقولوا: أنت عليّ حرام كبطن أمي فكنوا عن البطن بالظهر لئلا يذكروا البطن الذي ذكره يقارب ذكر الفرج؛ لأنه عمود البطن، ومنه حديث عمر: يجيء به أحدهم على عمود بطنه أراد على ظهره، ووجه آخر: وهو أن إتيان المرأة وظهرها إلى السماء كان محرماً عندهم محظوراً، وكان أهل المدينة يقولون: إذا أتيت المرأة ووجهها إلى الأرض جاء الولد أحول، فلقصد المطلق منهم إلى التغليظ في تحريم امرأته عليه شبهها بالظهر، ثم لم يقنع بذلك حتى جعله كظهر أمه، وهو منكر وزور وفيه كفارة كما سيأتي إن شاء الله تعالى في سورة المجادلة.
(٧/٤٩٨)
---