ولما كان عادتهم الخوف مما سبق من أحوالهم على النهي لشدة ورعهم أخبرهم أنه تعالى أسقط عنهم ذلك لكونه خطأ، وساقه على وجه يعمم ما بعد النهي أيضاً بقوله تعالى: ﴿وليس عليكم جناح﴾ أي: إثم وميل واعوجاج، وعبر بالظرف ليفيد أن الخطأ لا إثم فيه بوجه، ولو عبر بالباء لظن أن فيه إثماً ولكن يعفي عنه فقال تعالى: ﴿فيما أخطأتم به﴾ أي: من الدعاء بالنبوة والمظاهرة، أو في شيء قبل النهي أو بعده ودل قوله تعالى ﴿ولكن ما﴾ أي: الإثم فيما ﴿تعمدت قلوبكم﴾ على زوال الحرج أيضاً فيما وقع بعد النهي على سبيل النسيان، أو سبق اللسان، ودل تأنيث الفعل على أنه لا يتعمد بعد البيان الشافي إلا قلب فيه رخاوة الأنوثة، ودل جمع الكثرة على عموم الإثم إن لم ينته المتعمد.
تنبيه: يجوز في ما هذه وجهان:
أحدهما: أن تكون مجرورة المحل عطف على ما المجرورة قبلها بفي. والتقدير: ولكن الجناح فيما تعمدت كما مرت الإشارة إليه.
والثاني: أنها مرفوعة المحل بالابتداء، والخبر محذوف. وتقديره: تؤاخذون به أو عليكم فيه الجناح ونحوه، ولما كان هذا الكرم خاصاً بما تقدم عمم سبحانه وتعالى بقوله ﴿وكان الله﴾ أزلاً وأبداً ﴿غفوراً﴾ أي: من صفته الستر البليغ على المذنب التائب ﴿رحيماً﴾ به، ولما نهى تعالى عن التبني وكان النبي ﷺ قد تبنى زيد بن حارثة مولاه لما اختاره على أبيه وعمه كما مر علل تعالى النهي فيه بالخصوص بقوله تعالى: دالاً على أن الأمر أعظم من ذلك:
(٨/١)
---